بسم الله الرحمن الحيم
مساجد لها تاريخ[1]
بقلم : محي الدين صالح الدين
التمهيد
الحمد لله رب العالمين, شعاع من رضاه يطفئ غضب ملوك اهل الأرض و لمحة من غضبه تزهق الروح و لو انغمست في نعيم الدنيا. و قطرة من فيض جوده تملأ الأرض ريا, و نظرة بعين رضاه تجعل من الكافر و ليا. و الصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه و سلم- و على أله و صحابته اجمعين, اما بعد
قال الله تعالى : " إنما يعمر مساجد الله من أمن بالله و اليوم الأخر ..."[2]
. المساجد في الإسلام لها أهمية كبيرة عند المسلمين. و فيها يصلون و يمارسون العبادة لله, و يتعلمون و ينشرون العلم هناك, و هم يوثقون صلتهم فلا فرق بين غني و فقبر, و لا بين رئيس و مرؤوس, فهم يقفون سواسية فيها, و يشاورون فيها أمور الأمة. لهذه الاهمية, كان أول عمل قام به الرسول – صلى الله عليه و سلم- بعد ما وصل إلى المدينة في هجرته بناء المسجد. قال دكتور محمد سعيد رمضان البوطي في هذا الصدد : " فقد أقبل رسول الله – صلى الله عليه و سلم-, بمجرد و صوله إلى المدينة المنورة و استقراره فيها, على إقامة مجتمع اسلامي راسخ متماسك, يتألف من هؤلاء المسلمين, الأنصار و المهاجرين الذين جمعتهم المدينة المنورة. فكان أول خطوة قام بها في سبيل هذا الأمر : بناء المسجد. و لا غرو و لا عجب, فإن إقامة المسجد أول و أهم ركيزة في بناء المجتمع الإسلامي, ذلك أن المجتمع المسلم إنما يكتسب صفة الرسوخ و التماسك بالاتزام نظام الإسلام و عقيدته و أدابه, و إنما ينبع ذلك من روح المسجد و وحيه "[3]
وهذه المقالة ستركز في المساجد الثلاثة الأول, المسجد الحرام, و المسجد النبوي, و المسجد الأقصى. قال الرسول – صلى الله عليه و سلم – " الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة, و الصلاة في مسجدي بألف صلاة, و الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة ". ثم تلى هذه الثلاثة مسجد قباء, و المسجد الأموي, ثم الأخير جامع الأزهر.
1. المسجد الحرام
يقع المسجد الحرام في مكة المكرمة. و هو
أول بيت و ضع للناس على الأرض. قال تعالى : " إن أول بيت و ضع للناس للذي
ببكة مباركا و هدى للعالمين "[4].
قال الزمخشري و هو يفسر هذه الأية : ( وضع للناس ) صفة للبيت, و الواضع هو الله. (
للذي ببكة ) للبيت الذي ببكة, و هي علم للبلد الحرام,و مكة و بكة لغتان فيه. (
مباركا ) كثير الخير لما يحصل من حجه, و اعتماره, و عكف عنده, و طاف حوله من
الثواب و تكفير الذنوب. ( وهدى للعالمين ) لأنه قبلته و متعبدهم" [5]
وقد خطر ببالنا هذا السؤال : من الذي بني المسجد الحرام ؟ هناك أراء كثيرة حول هذا. و قد قيل أن الذي و ضع أساس البيت الحرام هو سيدنا أدم – عليه السلام-. قال ابن حجر : " و قد و جدت ما يشهد و يؤيد قول من قال أن أدم هو الذي أسس كلا المسجدين – أي المسجد الحرام و المسجد الأقصى "[6]
وقيل أول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم, ثم هدم فبنته العمالقة, ثم هدم فبناه قريش[7]. و لعل الصواب أن ابراهيم يرفعه لا يضع الأساس, لأن الرفع غير الوضع. و يؤكد على ذلك قوله تعالى : " و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت و اسماعيل ..."[8] و قوله تعالى حكاية عن ابراهيم و هو يدعو الله : " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيم الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم و ارزقهم من الثمارات لعلهم يشكرون "[9]
أما عن فضائل المسجد الحرام و هي كما يلي :
1) أنه أول بيت و ضع
للناس كما أشرت في السابق
2) أنه قبلة المسلمين, و
لا تصح صلاتهم إلا ادا أقبلوا الكعبة
3) جعل الله تعالى بداية
اسراء النبي – صلى الله عليه و سلم – من المسجد الحرام. قال تعالى : " سبحان
الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه
من أياتنا, إنه هو السميع البصير "[10]
4) جعل الله الصلاة في
المسجد الحرام بمائة الف صلاة, كما قال الرسول- صلى الله عليه و سلم- : "
الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة, و الصلاة في مسجدي بألف صلاة, و الصلاة
في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة "
5) جواز الرحلة إليه
لبركته, قال صلى الله عليه و سلم : " لا تشد الرحال إلا الى ثلاثة مساجد
المسجد الحرام, و المسجد الأقصى, و مسجدي "
6) فيه أيات بينات من
مقام ابراهيم
7) و من دخله كان أمنا
8) جعل الله تعالى مكانا
لأداء فريضة الحج كالطواف و السعي
2. المسجد النبوي
يقع المسجد النبوي في المدينة المنورة. و
هو ثاني مسجد في الإسلام. و ينسب هذا المسجد الى النبي- صلى الله عليه و سلم- و يضاف اليه احيانا, قال- صلى الله عليه و سلم-
: " الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة, والصلاة في مسجدي بألف صلاة, و
الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة"
وهذا الحديث يدل على فضل المسجد النبوي, كما تجوز الرحلة اليه لبركته, و فيه قبر أحسن بني أدم, و اطهر الخلق, خاتم النبيين محمد- صلى الله عليه و سلم-
أما عن بنائه لقد قال ابن هشام : " فأمر به رسول الله – صلى الله عليه و سلم- أن يبني مسجدا. و نزل رسول الله – صلى الله عليه و سلم – على أبي أيوب حتى بنا مسجده و مساكنه, فعمل فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ليرغب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه المهاجرون و الأنصار, و دأبوا فيه, فقال قائل من المسلمين:
لئن قعدنا و النبي
يعمل # لذاك منا العمل المضل
وارتجز المسلمون و هم يبنون يقولون :
لا عيش الا عيش
الأخرة # اللهم الأنصار و المهاجرة[11]
وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك, انه- صلى الله عليه و سلم- كان يصلى حيث ادركته الصلاة و يصلي في مرابض الغنم, فقال : " ثم انه امر ببناء المسجد, فارسل الى ملأ من بني النجار فجاؤوا, فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا, فقالوا : لا و الله لا نطلب ثمنه الا الى الله, فقال أنس : فكان فيه ما أقول لكم : كانت فيه قبور المشركين, و كانت فيه خرب, و كان فيه نخل. فأمر رسول الله – صلى الله عليه و سلم- بقبور المشركين فنثبت ثم بالخرب فسويت بالنخل فقطع, قال : فصفوا النخل قبلة المسجد قال : و جعلوا غضادته حجارة و جعلوا ينقلوا الصخر و هم يرتجزون و رسول الله – صلى الله عليه و سلم – معه و هو يقول : اللهم لا خير الا خير الأخرة فانصر الأنصار و المهاجرة "[12]
3. المسجد الأقصى
يقع المسجد الأقصى في القدس و هو ثالث
الحرمين و أولى القبلتين, و له اسماء كثيرة, و أشهرها غلى الاطلاق المسجد الأقصى.
و سمي بالأقصى لأنه ابعد المساجد التي تزار و يبتغي بها الأجر, و سمي أيضا بمسجد إيلياء, و بيت المقدس, و
ارو شليم.
ذهب بعض العلماء إلى ان الذي بنى المسجد الأقصى هو أدم عليه السلام, و استدلوا برواية البخاري عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله : أي مسجد و ضع في الأرض اول؟ قال – صلى الله عليه و سلم – المسجد الحرام قلت ثم أي ؟ قال – صلى الله عليه و سلم – المسجد الأقصى, قلت : كم بينهما ؟ قال – صلى الله عليه و سلم – اربعون سنة "
والمعروف أن الذي و ضع المسجد الأقصى أدم عليه السلام, كما أشت سابقا
ذكر ابن هشام في كتاب التيجان : " أن
أدم لما بني الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس و أن يبنيه, فبناه و نسك فيه
"
أما عن فضائل المسجد الأقصى و هي :
1) جعله الله تعالى
بداية معراج النبي- صلى الله عليه و سلم- قال تعالى : سبحان الذي اسرى بعبده ليلا
من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من أياتنا, إنه هو
السميع البصير[13]
2) أن أرضه مباركة :
" ...إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من أياتنا... " و قال
تعالى : و نجيناه و لوطا الى الأرض التي باركنا فيها للعالمين "[14]
, و قال أيضا : " و جعلنا بينهم و بين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة و
قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و أياما أمنين "[15]
4) و هذا المسجد مقدس "
يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم و لا ترتدوا على أدباركم فتنقلنوا
خاسرين "[17]
5) الصلاة فيه بخمسمائة
صلاة
6) و روي أن الرسول –
صلى الله عليه و سلم – قال : "من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر
إلى بيت المقدس".
7) تجوز الرحلة اليه
لأهميته
8) بشر الرسول – صلى
الله عليه و سلم – المسلمين بالمسجد الأقصى, فروي احمد أن الرسول- صلى الله عليه و
سلم – قال : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق, لعدوهم قاهرين, لا يضر
من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله و هم كذلك.
قالوا يا رسول الله أين هم ؟ قال – صلى الله عليه و سلم – " بيت المقدس و
أكناف بيت المقدس "
4. مسجد قباء
و هو أول مسجد بني في عهد النبي – صلى الله
عليه و سلم-, و هو المسجد الذي و صفه الله بقوله : " لمسجد أسس على التقوى من
أول يوم أحق أن تقوم فيه ..."[18]
قال ابن اسحاق في بناء مسجد قباء فأقام
رسول الله – صلى الله عليه و سلم – بقباء, في بني عمرو بن عوف يوم الإثنين و يوم
الثلاثاء و يوم الأربعاء و يوم الخميس و أسسه مسجده[19]
5. المسجد الأموي ( مسجد دمسق )
بني في عهد الوليد بن عبد الملك, فقد أراد
أن يبني مسجدا جامعا ليس له مثيل في الشرق, و حول البناء الموجود من كنيسة – بعد
أن أرضى صاحبه – إلى المسجد. و كساه و زينه بالفسيفساء و المنمنمات و النقوش و
أفضل ما زينت به المساجد في تاريخ الإسلام
حتى قال عنه فرزدق : " أهل دمشق في
بلادهم في قصر من قصور الجنة- يعني الجامع- "[20]
6. جامع الأزهر
بناه جوهر الصقلي سنة 359 هـ و تم بناؤه في
سنتين, و ذلك يكون خاصا بشعائر المذهب الفاطمي[21].
و أقيمت الصلاة في جامع الأزهر لأول مرة في 7 رمضان 361 هـ. وهذا الجامه في
البداية اسس لنشر المذهب الشيعي الإسماعيلي[22]
و جاء صلاح الدين و شاءت ارادة الله أن يكون منارة لنشر مبادئ و طريقة أهل السنة و تثبيتها في أفكار المسلمين. و بهذا أصبح الأزهر في عدد رابع مسجد في هذه المعمورة بهد المسجد الحرام, و المسجد النبوي, و المسجد الأقصى. حتى قال عنه أمير الشعراء الشوقي :
قم في فم الدنيا و حي
الأزهرا # و انثر على سمع الزمان الجوهرا
واجعل مكان الدر – إن
فصلته # في مدحه- خرز السماء النيرا
و اذكره بعد
المسجدين, معظما # لمساجد لله الثلاثة مكبرا[23]
الخاتمة
وقد وصلنا في خاتمة هذه المقالة, نظرا لقصور الكاتب مما يترتب على قصور كتابته. و هذه المقالة خير دليل على ذلك. فالنقد و الزيادة من القارء ما أتمناه. ثم أتواجه الشكر ألى من ساهم من المساعدة في انجاز كتابة هذه المقالة . و أسال الله تعالى ان ينفعنا بها و ان يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه , إنه ولي ذلك و القادر عليه . و الله أعلم
المراجع
1) الأزهر الشريف في ضوء
سيرة اعلامه الأجلاء: رؤية فنية تاريخية. د. سلامة عبد الله نصر. مكتبة إيمان .
2009 م
2) السيرة النبوية .
لعبد الملك بن هشام. مؤسسة المختار للنشر و التوزيع
3) الشوقيات. لأحمد
الشوقي. طبعة دار الصفا. الطبعة الأولى . 2009 م
4) فقه السيرة
النبوية. لدكتور محمد رمضان البوطي. طبهة
دار السلام . الطبعة الحادي و العشرون. 2010 م / 1431 هـ
5) فنون الخطابة و زاد
الخطيب. للدكتور جهاد محمود الأشقر. ط مكتبة الإيمان. 2008 م
6) الكشاف. لزمخشري.
مكتة
7) الموسوعة الميسرة في
التاريخ الإسلامي. تقديم د. راغب السرجاني. ط.1, 2005, مؤسسة إقرأ
القاهرة, 17 يناير 2013
م
No comments:
Post a Comment