بسم الله الرحمن الرحيم
خمسة يحبهم الله[1]
التوابون- الصابرون- المتطهرون- المتوكلون- المقسطون
بقلم : محي الدين صالح الدين
التمهيد
الحمد لله رب العالمبن. المتوحد بإبداع
المصنوعات, المتفرد باختراع المخلوقات, المخصوص بقدم الأسماء و الصفات, المنزه عن
التحيز و السكون و الحركات, القريب ممن دعاه لا بقرب المسافات, المجيب لمن ناجاه
بإخلاص الدعوات. و الصلاة و السلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه و سلم- و على
أله و صحبه أجمعين. أما بعد :
فقد احتفل شباب العالم بعيد الحب, في يوم سموه بـ" فلنتين ". و مازلت تلك الصور البشعة راسخة في ذاكرتنا و أسماعنا. تحت ستار الحب, يا للأسف, انتشرت المعاصي و الفتن في ذلك اليوم. و تكل الأقلام في توصيف هذا التدني. الحب الزائف, حلو في اللسان و مر في الواقع, عنوانه عسل و سم في حقيقته. لأن الحب الزائف بعيد كل البعد عن منهج الله الصحيح.
و حديث الحب كما قال دكتور محمد سعيد رمضان البوطي ملء الأفواه, و ديدن الكتّاب و الأدباء, و مصدر الإلهام للشعراء, و أنيس المجالس و الأسمار, و رابطة ما بين الفلاسفة و العلماء[2]. يتكلم عنه كل الناس, كبارهم و صغارهم. الحب صغير المبنى كبير المعنى. له تاريخه الذي لا يبلى, و أيامه التي لا تنسى, و لا تزال العقول تعي و تذكر ضحاياه الكثيرة على مر العصور, كم أحيا من موت النفوس, و كم أمات من أرباب القلوب.
أما الإسلام فقد تكلم عن الحب من كل زوايا. و أعلى مراتبه محبة الله لعبده. و في هذه الأوراق سأتكلم عن بعض الأصناف الذين يحبهم الله. و هم : التوابون- الصابرون- المتطهرون- المتوكلون- المقسطون
1. التوابون
قال تعالى : " إن الله يحب التوابين و
يحب المتطهرين "[3].
إن رحمة الله تعالى
واسعة, و أن باب التوبة أمام العباد مفتوح لا يغلق أبدا في كل دقائق أنفاس
الإنسان. بل يفرح الله بتوبة عباده كما رواه البخاري و مسلم. أما الإنسان لنسيانهم
و غفلتهم يقعون في نفس الحفرة, المعاصي و الذنوب. و هما سببان لكل شقاء و بلاء و
ضنك في الدنيا و هلاك في الأخرة.
لقد اهتم الدين الإسلامي بالتوبة و حث المسلمين عليها, فلقد وردت 47 أية تحثنا على التوبة. لذا, موضوع التوبة حل مكان اهتمام الدعاة المخلصين. و ما أحوجنا إليه في عالمنا المعاصر, الذي انتشر فيه كل أنواع الفتن و المعاصي و الذنوب المتنوعة . وهو في هذا الصدد يفتح باب الأمل أمام العاصي, و هو بمثابة الدواء له, و الماء البارد لإزالة ظمأنه في مواجهة قلق الحياة.
و أكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة و لا حقيقتها فضلا عن القيام بها علما و عملا و حالا و لم يجعل الله تعالى محبته للتوابين إلا و هم خواص الخلق لديه.
و كثير من العلماء يفسرون التوبة بالعزم على أن لا يعاود الذنب و بالإقلاع عنه في الحال و بالندم عليه في الماضي. و قد قال تعالى : " و توبوا إلى الله جميها أيها المؤمنون لعلكم تفلحون "[4]. و قال أيضا : " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم. و كان الله عليما حكيما. و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الأن و لا الذين يموتون و هم كفار أولئك أعتدنالهم عذابا أليما "[5]
إن الله يحب التوابين, و هو أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه كما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم - : " لله أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه, من أحدكم كان عليه راحلة بأرض فلاة فانفلتت منه, و عليها طعامه و شرابه فأيس منها, فأتى شجرة فاضطجع في ظلها, و قد أيس من راحلة فبينما هو كذلك, إذا هو قائمة عنده فأخذ بخطامها, ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي, و أنا ربك, أخطأ من شدة الفرح ".
حقيقة التوبة
التوبة عند السالكين أول منزل من المنازل,
و أول مقام من مقامات الطالبين
حقيقتها في لغة العرب
: الإعتراف و الندم و الإقلاع و العزم على ألا يعاود الإنسان ما اقترفه[6].
فالتوبة كما ذهب
إليها صاحب الرسالة : " الرجوع عما كان مذموما في الشرع الى ما هو محمود فيه
"[7]
فحقيقة التوبة كما
قال العلامة ابن القيم الجوزية الرجوع إلى الله بالاتزام ما يجب و ترك ما يكره فهي
رجوع من مكروه إلى محبوب, فالرجوع إلى المحبوب جزء مسماها و الرجوع عن المكروه
الجزء الأخر[8]. و على
هذا فإن الإمام القشيري و ابن القيم الجوزية يتفقان في مفهوم حقيقة التوبة و إن
اختلفا في العبارات
شروط التوبة
شروط التوبة كما ذهب
إليه معظم العلماء – منهم العلامة ابن القيم الجوزية [9]
و دكتور جهاد محمود الأشقر[10]
– ما يلي :
1) الندم على ما فات
فالندم – كما قال
دكتور جهاد الأشقر – عمل من أعمال القلوب. و هو أن يستشعر الإنسان مرارة المعصية,
و هذا الندم يأتي من صحوة و يقظة في القلب [11].فتوبة
الكذابين على أطراف ألسنتهم, و توبة الصاقين من أعماق قلوبهم, فالتوبة تبدأ بالندم
و الحسرة و الحزن و الأسى بهذه المشاعر التي تكوي الإنسان كيا.
و هذا الندم الذي هو
الإحتراق الداخلي ركن أساسي. لذا قال النبي – صلى الله عليه و سلم – : "
الندم توبة ". ولصاحب الرسالة القشيرية كلام جميل في شرح هذا الحديث, حيث قال
: " و ما في الخبر أن ( الندم توبة ) إنما نص على معظمه كما قال – صلى الله
عليه و سلم – ( الحج عرفة ) أي معظم أركانه عرفة, أي الوقوف بها, لا أنه لا ركن في
الحج سوى الوقوف بعرفات, و لكن معظم أركانه الوقوف بها. و كذلك قوله ( الندم توبة
) أي معظم أركانها الندم ".[12]
وهو رئيسي في شروط التوبة, إذ باقي الشروط مندرجة تحته. لذا يكتفي بعض أهل التحقيق به. و أنا أميل – الله أعلم - إلى عدم اكتفائه بوحده. لأن من ملازمات التوبة الدوام على الطاعة, و هو في هذا لا يحتاج الى الندم. و كما في الحديث السابق الدال على أن معظم التوبة الندم و ليس كلها.
لذا, يجب على التائب
في أول الوحلة الندم على ما فاته من الوقوع في المعاصي التي جنت بها اليدان و
العينان و اللسان و الجلود و الأذان.
2) الإقلاع عن الذنوب فورا
تقييد " الفور
" في هذا الصدد مهم, ذلك راجع إلى واقع الناس الذين يؤخرون التوبة إلى وقت الشيخوخة, و راح يقولون : " نحن
كالشباب لا بد أن نستغل الفرص المتاحة لنا في الفرح و المرح, و العمر ما زال
طويلا, أما التوبة سيأتي دورها حين اقتربنا من الموت ". ما هذا الإعتقاد ؟ هل
يعرف الإنسان متى يأتي أجله ؟ و كيف يا تري حين ما جاء ملك الموت ينزع أرواحنا و
نحن نرتكب الذنوب و لم نتب ؟ لذا, يجب على كل مسلم, ذكرا كان أو أنثى, صغيرا أو
كبيرا الإقلاع عن الذنوب فورا, و يندم على فعله, و يبكي و قلبه ممتلؤ بالرجاء إلى
مغفرة الله و توفيقه و رحمته. و أن يخلص في النية, لا لسمعة أو رياء.
و ينبغي له أيضا
ممارسة فعل الحسنات بعد توبته, لأن علاج الذنوب بالضد. الحسنات مقابل السيئات. قال
تعالى : " إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين "[13].
و قال – صلى الله عليه و سلم : " و أتبع السيئة الحسنة تمحها "
3) العزم على عدم العودة
و أن يزرع التائب
الثقة في نفسه و العزم على عدم العودة إلى الذنوب, و يتركها تركا نهائيا, و أن
يتوجع لعثرته إذا عثر فيتوجع قلبه و ينصدع. و قوي العزم متجسد في واقع حياته, بحيث
إذا رأي أخاه المسلم يرتكب نفس الخطأ الذي هو وقع فيه, تألم قلبه كأنه هو الذي عثر
به.
و ليس من التوبة من ظل مترددا في الخطأ, و يتلذذ بحلاوة المعصية. التائب الصحيح لا يلدغ في نفس الحفرة مرتين. و لكن معظم الناس لغفلتهم و نسيانهم لقد تابوا و عادوا إلى الذنب, فواجبهم في هذا الصدد تجديد التوبة من جديد. لأن رحمة الله واسعة. روي البخاري و مسلم أن الرسول – صلى الله عليه و سلم – قال : " إن عبدا أصاب ذنبا فقال يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره, فقال له ربه : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب, و يأخذ به, فغفر له, ثم مكث ما شاء الله, ثم أصاب ذنبا أخر, فقال : يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي, فقال له ربه : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب, و يأخذ به, فغفر له, ثم مكث ما شاء الله, ثم أصاب ذنبا أخر, فقال : يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي, فقال له ربه : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب, و يأخذ به,فقال ريه : غفرت لعبدي فليعمل ما شاء "
4) إرجاع الحقوق إلى من ظلمهم
و هذا خاص بحقوق
العباد, فإن الإنسان في معاملتهم قد يقعون في الأخطاء مع الأخرين. فواجب المخطئين
طلب البراءة و المسامحة منهم. فإن هذا حق للأدمي لم يصل اليه و الله سبحانه و
تعالى لا يترك من حقوق عباده شيئا بل يستوفيها لبعضهم من بعض و لا يجاوزه ظلم ظالم
فلا بد أن يأخذ للمظلوم حقه من ظالمه و لو لطمة, و لو كلمة, و لو رمية بحجر.
ارجاع الحقوق الى من ظلمهم واجب, روى مسلم أن الرسول – صلى الله عليه و سلم – قال : " أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له و لا دينار. قال – صلى الله عليه و سلم – المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة و يأتي و قد شتم هذا, و قذف هذا, وأخذ مال هذا, و سفك دم هذا, و ضرب هذا, فيعطي هذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل يقضي ما عليه, أخذ من خطايهم فطرحت عليه, ثم طرح في النار ".
درجات التوبة
للتوبة البداية و
النهاية. و الناس فيها متفاوتون. لقد قسم الإمام القشيري درجات التوبة - فيما
يسمعها من الأستاذ أبي علي الدقاق – الى ثلاثة أقسام فيقول : التوبة على ثلاثة
أقسام : أولها التوبة, و أوسطها الإنابة, و أخرها الأوبة.[14]
ففي هذا التقسيم جعل الإمام القشيري التوبة بداية, و الأوبة نهاية, والإنابة واسطتهما. ثم بدأ يشرح هذه الثلاثة فيقول : " فكل من تاب لخوف العقوبة : فهو صاحب توبة, و من تاب طمعا في الثواب : فهو صاحب إنابة, و من تاب مراعاة للأمر لا لرغبة في الثواب أو رهبة في العقاب : فهو صاحب أوبة "[15]
ثم يدلل على الثلاثة
بالقرأن. " و يقال أيضا : التوبة صفة المؤمنين, قال تعالى : وتوبوا الى الله
جميها أيها المؤمنون "[16]
و الإنابة : صفة الأولياء و المقربين, قال الله تعالى : و جاء بقلب منيب [17]
و الأوبة : صفة
الأولياء و المرسلين, قال تعالى : نعم العبد إنه أواب [18]
أما عند صاحب كتاب منازل إياك نعبد و إياك نستعين فقد رتب التوبة إلى ثلاثة : توبة العامة, و الأوساط, و الخواص.
فتوبة العامة : الإثتكثار من الطاعة و هو يدعو الى جحود نعمة الستر و الإمهال و رؤية الحق على الله و الاستغناء الذي هو عين الجبروت و التوثب على الله
أما توبة الأوساط : من استقلال العبد المعصية و هو عين الجرأة و المبارزة ومحض التزين بالحمية و الاسترسال للقطعية
أما توبة الخواص : من تضييع الوقت فإنه يفضي إلى درك النقيصة ويطفء نور المراقبة و يكدر عين الصحبة [19]
2. الصابرون
الصبر في اللغة : تجلد و لم يجزع. صبر نفسه
: حبسها و ضبتها.[22] و
منه قوله تعالى : " و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون
وجهه "[23].
و اصطلاحا كما قال ابن القيم الجوزية : " حبس النفس هن الجزع و التسخط و حبس
اللسان عن الشكوى و حبس الجوارح عن التشويش "[24]
لقد ورد الصبر في القرأن نحو تسعين موضعا
مما يدل علينا مدى أهميته و رفع مكانته. و هو نصف الإيمان حتى فضل الله تعلى أولي
العزم الخمسة على سائر الأنبياء لصبرهم في حمل الرسالة. و قد مدح الله الصبر بقوله
: " فاصبر صبرا جميلا "[25]
و صدق القائل إذ يقول :
الصبر مثل اسمه مر
مذاقته # لكن عواقبه أحلى من العسل
لأن الله سيجازي الصابرين بأحلى العواقب.
قال تعالى : " و لنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "[26]
و قال أيضا : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "[27]
و الصبر كما قال صاحب كتاب منازل إياك نعبد
و إياك نستعين على ثلاثة درجات. الدرجة الأولى : الصبر عن المعصية, بمطالعة الوعيد
ابقاء على الإيمان و حذر من الحرام و أحسن منها الصبر هن المعصية حياء. الدرجة
الثانية : الصبر على الطاعة بالمحافظة عليها دواما و برعايتها إخلاصا و يستحسنها
علما. و الدرحة الثالثة : الصبر في البلاء بملاحظة حسن الجزاء و انتظار روح الفرج
و تهوين البلية بعد أيادي المنن و بذكر سوالف النعم[28]
3. المتطهرون
قال تعالى : " إن الله يحب التوابين و
يحب المتطهين "[29].
حث الإسلام المسلمين على التطهر لما يترتب من الجمال و النظافة. و قدوتنا – صلى
الله عليه و سلم – أنظف الناس و أطيبهم, و كان لا يفارق السواك, و كان يكره أن يشم
رائحة كريهة. قال ابن الجوزي : "و قد فضلت الصلاة بالسواك على الصلاة بغير
سواك"[30]
لذا قال تعالى : " لا تقم فيه أبدا,
لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه, فيه رجال يحبون أن يتطهروا و
الله يحب المطهرين "[31]
تأملت معظم الناس يركزون في نظافة طهارة
الأبدان تركيزا مبالغا و يهملون البواطن. و الإسلام يهتم بهما معا . بل جعل
البواطن أسسا للظواهر. قال – صلى الله عليه و سلم - : " ألا و إن في الجسد
مضغة و إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله الا و هي القلب "
4. المتوكلون
قال تعالى : " فإذا عزمت فتوكل على
الله إن الله يحب المتوكلين "[32]
. لقد تعددت تعريفات التوكل. قال ذو النون : " هو ترك تدبير النفس و الإنلاع
من الحول و القوة و إنما يقوي العبد على التوكل إذا علم الحق سبحانه يعلم و يرى ما
هو فيه ". وسئل يحي بن مهاذ : " متى يكون الرجل متوكلا؟ فقال : إذا رضي
بالله وكيلا ". و قال بهض العلماء : " التوكل هو التعلق بالله في كل حال
"
لقد حثنا الشرع على ضرورة التخلق بالتوكل. و وردت 53 أية في القرأن تحثنا عليه. و التوكل محله القلب, و الحركة بالظاهر لا تنافي التوكل بالقلب, بعد تحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى. فإن تعسر شيء فبتقديره. فان اتفق شيء فبتيسيره. و من صدق توكله على الله في حصول شيء ناله, فإت كان محبوبا له مرضيا, كانت له فيه العاقبة المحمودة. و إن كان مسخوطا مغضوبا, كان ما حصل له بتوكله مضرة عليه.
روى الترمذي في كتاب الزهد ( 2344) عن عمر- رضي الله عنه- مرفوعا : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تعدو خماصا و تروح بطانا ". و صدق القائل إذ يقول :
توكل على الرحمن في الأمر
كله # و لا ترغبن في العجز يوما على الطلب
ألم تر أن الله قال
لمريم # و عزي إليك الجدع يساقط الرطب
و لو شاء أدلى الجزع
من غير هزة # إليها و لكن كل شيء له سبب
5. المقسطون
قال تعالى : " إن الله يحب المقسطين
"[33].
و القسط مرادف العدل, و هو إعطاء كل ذي حق حقه من غير تفرقة بين شخص و شخص, و
محاسبة المسيء على قدر إساءته من غير إعانات أو محاباة. قال تعالى : " و إن
طاءفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحدهما على الأخرى فقاتلوا
التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا إن الله
يحب المقسطين "[34]
والإسلام ركز قدرا كبيرا من الإهتمام بالقسط و العدل في جميع أحوال الفرد, و خاصة ما يتعلق بمصالح الناس كالحكومة و الرعية. لذا, أمر الله تعالى المسلمين أن يتخلقوا بصفة العدل. قال تعالى : " يأيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى. و اتقوا الله إن الله خبير بما تعملون "[35]. و قال أيضا : " إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء
والمنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون "[36]
و في يوم القيامة, اليوم الشديد, يوم
ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم
بسكارى¸سيظل الإمام العادل في ظل رحمة الله و توفيقه. قال – صلى الله عليه و سلم -
: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, الإمام العادل ...".
وأسكنه الله تعالى في جنته. قال – صلى الله عليه و سلم - : " القضاة ثلاثة : واحد في الجنة و اثنان في النار¸فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به, و رجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار, و رجل قضى الناس على جهل فهو في النار "
وأعظم و أغلى ما ناله الإمام العادل محبة الله له, قال – صلى الله عليه و سلم - : " أحب الناس الى الله يوم القيامة و أدناهم منه مجلسا : إمام عادل. و أبغض الناس يوم القيامة و أبعدهم منه مجلسا : إمام جائر ".
الخاتمة
إن الإيمن بلا عمل كشجرة بلا ثمر, أو بتعبير أخر كجسد بلا روح, لا حياة فيه و لا حراك, لا يتأثر سلبا و لا إيجابا, و إنما ملقى على الارض و هو عرضة للأفات و الأعطاب, ثم سرعان ما يتحلل و يذوب, و يصبح أثرا بعد عين.
إن ثمرة الإيمان العمل الصالح, و خير العمل ما كان فيه إسعاد للبشرية, و لا سعادة للبشرية إلا في منهج الله و تحت ظلاله الوافرة.
والحب الحقيقي هو الذي يظلل تحت ظلال منهج الله. و هو متجسد في القرأن, وهو كما قال دكتور محمد سعيد رمضان البوطي يوجه القلوب إلى ما لا يستهي النفوس حبه, و يحذرها من حب ما يصعب على النفوس الإعراض عنه و التحرر منه.[37]
وأعلى مراتب الحب محبة الله لعبده. بدونها لا قيمة لحياتنا. و أسعد الناس من نال محبته, و أشقاهم من نال بغضه.
اللهم أنا نسألك حبك و حب من يحبك و حب عمل يقربنا الى حبك, و اجعل اللهم حبك أحب إلينا من الماء البارد للكبد الظمأن
المراجع
1) الحب في القرأن و
دورالحب في حياة الإنسان.للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي. دار الفكر.2009 م
2) الرسالة القشيرية في
علم التصوف: للإمام العارف زين الإسلام بن القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيري
النيسابوري. طبعة : المقاطم للنشر و التوزيع
3) فنون الخطابة و زاد
الخطيب. للدكتور جهاد محمود الأشقر. ط مكتبة الإيمان. 2008 م
4) صيد الخاطر. لابن الجوزي.
مكتبة مصر. الطبعة الأولى 2008 م / 1438 هـ
5) مدارج السالكين بين
منازل إياك نعبد و إياك نستعين. لابن القيم الجوزية. مكتبة الرحاب. 2007 م
6) المعجم الوسيط : مجمع
اللغة العربية بالقاهرة, مكتبة الشروق الدولية : الطبعة الخامسة 2011 م / 1432
هـ
No comments:
Post a Comment