Saturday, June 22, 2013

خمسة يحبهم الله

بسم الله الرحمن الرحيم
خمسة يحبهم الله[1]
التوابون- الصابرون- المتطهرون- المتوكلون- المقسطون
بقلم : محي الدين صالح الدين

التمهيد
الحمد لله رب العالمبن. المتوحد بإبداع المصنوعات, المتفرد باختراع المخلوقات, المخصوص بقدم الأسماء و الصفات, المنزه عن التحيز و السكون و الحركات, القريب ممن دعاه لا بقرب المسافات, المجيب لمن ناجاه بإخلاص الدعوات. و الصلاة و السلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه و سلم- و على أله و صحبه أجمعين. أما بعد :

فقد احتفل شباب العالم بعيد الحب, في يوم سموه بـ" فلنتين ".  و مازلت تلك الصور البشعة راسخة في ذاكرتنا و أسماعنا. تحت ستار الحب, يا للأسف, انتشرت المعاصي و الفتن في ذلك اليوم. و تكل الأقلام في توصيف هذا التدني. الحب الزائف, حلو في اللسان و مر في الواقع, عنوانه عسل و سم في حقيقته. لأن الحب الزائف بعيد كل البعد عن منهج الله الصحيح.

و حديث الحب كما قال دكتور محمد سعيد رمضان البوطي ملء الأفواه, و ديدن الكتّاب و الأدباء, و مصدر الإلهام للشعراء, و أنيس المجالس و الأسمار, و رابطة ما بين الفلاسفة و العلماء[2]. يتكلم عنه كل الناس, كبارهم و صغارهم. الحب صغير المبنى كبير المعنى. له تاريخه الذي لا يبلى, و أيامه التي لا تنسى, و لا تزال العقول تعي و تذكر ضحاياه الكثيرة على مر العصور, كم أحيا من موت النفوس, و كم أمات من أرباب القلوب.   

أما الإسلام فقد تكلم عن الحب من كل زوايا. و أعلى مراتبه محبة الله لعبده. و في هذه الأوراق سأتكلم عن بعض الأصناف الذين يحبهم الله. و هم : التوابون- الصابرون- المتطهرون- المتوكلون- المقسطون

1.     التوابون
قال تعالى : " إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين "[3]. إن رحمة الله تعالى واسعة, و أن باب التوبة أمام العباد مفتوح لا يغلق أبدا في كل دقائق أنفاس الإنسان. بل يفرح الله بتوبة عباده كما رواه البخاري و مسلم. أما الإنسان لنسيانهم و غفلتهم يقعون في نفس الحفرة, المعاصي و الذنوب. و هما سببان لكل شقاء و بلاء و ضنك في الدنيا و هلاك في الأخرة.

لقد اهتم الدين الإسلامي بالتوبة و حث المسلمين عليها, فلقد وردت 47 أية تحثنا على التوبة. لذا, موضوع التوبة حل مكان اهتمام الدعاة المخلصين. و ما أحوجنا إليه في عالمنا المعاصر, الذي انتشر فيه كل أنواع الفتن و المعاصي و الذنوب المتنوعة . وهو في هذا الصدد يفتح باب الأمل أمام العاصي, و هو بمثابة الدواء له, و الماء البارد لإزالة ظمأنه في مواجهة قلق الحياة.

و أكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة و لا حقيقتها فضلا عن القيام بها علما و عملا و حالا و لم يجعل الله تعالى محبته للتوابين إلا و هم خواص الخلق لديه.

و كثير من العلماء يفسرون التوبة بالعزم على أن لا يعاود الذنب و بالإقلاع عنه في الحال و بالندم عليه في الماضي. و قد قال تعالى : " و توبوا إلى الله جميها أيها المؤمنون لعلكم تفلحون "[4]. و قال أيضا : " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم. و كان الله عليما حكيما. و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الأن و لا الذين يموتون و هم كفار أولئك أعتدنالهم عذابا أليما "[5]

إن الله يحب التوابين, و هو أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه كما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم - : " لله أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه, من أحدكم كان عليه راحلة بأرض فلاة فانفلتت منه, و عليها طعامه و شرابه فأيس منها, فأتى شجرة فاضطجع في ظلها, و قد أيس من راحلة فبينما هو كذلك, إذا هو قائمة عنده فأخذ بخطامها, ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي, و أنا ربك, أخطأ من شدة الفرح ".

حقيقة التوبة
التوبة عند السالكين أول منزل من المنازل, و أول مقام من مقامات الطالبين
حقيقتها في لغة العرب : الإعتراف و الندم و الإقلاع و العزم على ألا يعاود الإنسان ما اقترفه[6].
فالتوبة كما ذهب إليها صاحب الرسالة : " الرجوع عما كان مذموما في الشرع الى ما هو محمود فيه "[7]
فحقيقة التوبة كما قال العلامة ابن القيم الجوزية الرجوع إلى الله بالاتزام ما يجب و ترك ما يكره فهي رجوع من مكروه إلى محبوب, فالرجوع إلى المحبوب جزء مسماها و الرجوع عن المكروه الجزء الأخر[8]. و على هذا فإن الإمام القشيري و ابن القيم الجوزية يتفقان في مفهوم حقيقة التوبة و إن اختلفا في العبارات

شروط التوبة
شروط التوبة كما ذهب إليه معظم العلماء – منهم العلامة ابن القيم الجوزية [9] و  دكتور جهاد محمود الأشقر[10] – ما يلي :
1)    الندم على ما فات
فالندم – كما قال دكتور جهاد الأشقر – عمل من أعمال القلوب. و هو أن يستشعر الإنسان مرارة المعصية, و هذا الندم يأتي من صحوة و يقظة في القلب [11].فتوبة الكذابين على أطراف ألسنتهم, و توبة الصاقين من أعماق قلوبهم, فالتوبة تبدأ بالندم و الحسرة و الحزن و الأسى بهذه المشاعر التي تكوي الإنسان كيا.
و هذا الندم الذي هو الإحتراق الداخلي ركن أساسي. لذا قال النبي – صلى الله عليه و سلم – : " الندم توبة ". ولصاحب الرسالة القشيرية كلام جميل في شرح هذا الحديث, حيث قال : " و ما في الخبر أن ( الندم توبة ) إنما نص على معظمه كما قال – صلى الله عليه و سلم – ( الحج عرفة ) أي معظم أركانه عرفة, أي الوقوف بها, لا أنه لا ركن في الحج سوى الوقوف بعرفات, و لكن معظم أركانه الوقوف بها. و كذلك قوله ( الندم توبة ) أي معظم أركانها الندم ".[12] 

وهو رئيسي في شروط التوبة, إذ باقي الشروط مندرجة تحته. لذا يكتفي بعض أهل التحقيق به. و أنا أميل – الله أعلم - إلى عدم اكتفائه بوحده. لأن من ملازمات التوبة الدوام على الطاعة, و هو في هذا لا يحتاج الى الندم. و كما في الحديث السابق الدال على أن معظم التوبة الندم و ليس كلها.
لذا, يجب على التائب في أول الوحلة الندم على ما فاته من الوقوع في المعاصي التي جنت بها اليدان و العينان و اللسان و الجلود و الأذان.

2)    الإقلاع عن الذنوب فورا
تقييد " الفور " في هذا الصدد مهم, ذلك راجع إلى واقع الناس الذين يؤخرون التوبة إلى  وقت الشيخوخة, و راح يقولون : " نحن كالشباب لا بد أن نستغل الفرص المتاحة لنا في الفرح و المرح, و العمر ما زال طويلا, أما التوبة سيأتي دورها حين اقتربنا من الموت ". ما هذا الإعتقاد ؟ هل يعرف الإنسان متى يأتي أجله ؟ و كيف يا تري حين ما جاء ملك الموت ينزع أرواحنا و نحن نرتكب الذنوب و لم نتب ؟ لذا, يجب على كل مسلم, ذكرا كان أو أنثى, صغيرا أو كبيرا الإقلاع عن الذنوب فورا, و يندم على فعله, و يبكي و قلبه ممتلؤ بالرجاء إلى مغفرة الله و توفيقه و رحمته. و أن يخلص في النية, لا لسمعة أو رياء.
و ينبغي له أيضا ممارسة فعل الحسنات بعد توبته, لأن علاج الذنوب بالضد. الحسنات مقابل السيئات. قال تعالى : " إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين "[13]. و قال – صلى الله عليه و سلم : " و أتبع السيئة الحسنة تمحها "


3)    العزم على عدم العودة
و أن يزرع التائب الثقة في نفسه و العزم على عدم العودة إلى الذنوب, و يتركها تركا نهائيا, و أن يتوجع لعثرته إذا عثر فيتوجع قلبه و ينصدع. و قوي العزم متجسد في واقع حياته, بحيث إذا رأي أخاه المسلم يرتكب نفس الخطأ الذي هو وقع فيه, تألم قلبه كأنه هو الذي عثر به.

و ليس من التوبة من ظل مترددا في الخطأ, و يتلذذ بحلاوة المعصية. التائب الصحيح لا يلدغ في نفس الحفرة مرتين. و لكن معظم الناس لغفلتهم و نسيانهم لقد تابوا و عادوا إلى الذنب, فواجبهم في هذا الصدد تجديد التوبة من جديد. لأن رحمة الله واسعة. روي البخاري و مسلم أن الرسول – صلى الله عليه و سلم – قال : " إن عبدا أصاب ذنبا فقال يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره, فقال له ربه : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب, و يأخذ به, فغفر له, ثم مكث ما شاء الله, ثم أصاب ذنبا أخر, فقال : يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي, فقال له ربه  : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب, و يأخذ به, فغفر له, ثم مكث ما شاء الله, ثم أصاب ذنبا أخر, فقال : يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي, فقال له ربه  : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب, و يأخذ به,فقال ريه : غفرت لعبدي فليعمل ما شاء "  
4)    إرجاع الحقوق إلى من ظلمهم
و هذا خاص بحقوق العباد, فإن الإنسان في معاملتهم قد يقعون في الأخطاء مع الأخرين. فواجب المخطئين طلب البراءة و المسامحة منهم. فإن هذا حق للأدمي لم يصل اليه و الله سبحانه و تعالى لا يترك من حقوق عباده شيئا بل يستوفيها لبعضهم من بعض و لا يجاوزه ظلم ظالم فلا بد أن يأخذ للمظلوم حقه من ظالمه و لو لطمة, و لو كلمة, و لو رمية بحجر.

ارجاع الحقوق الى من ظلمهم واجب, روى مسلم أن الرسول – صلى الله عليه و سلم – قال : " أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له و لا دينار. قال – صلى الله عليه و سلم – المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة و يأتي و قد شتم هذا, و قذف هذا, وأخذ مال هذا, و سفك دم هذا, و ضرب هذا, فيعطي هذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل يقضي ما عليه, أخذ من خطايهم فطرحت عليه, ثم طرح في النار ".        
درجات التوبة
للتوبة البداية و النهاية. و الناس فيها متفاوتون. لقد قسم الإمام القشيري درجات التوبة - فيما يسمعها من الأستاذ أبي علي الدقاق – الى ثلاثة أقسام فيقول : التوبة على ثلاثة أقسام : أولها التوبة, و أوسطها الإنابة, و أخرها الأوبة.[14]

ففي هذا التقسيم جعل الإمام القشيري التوبة بداية, و الأوبة نهاية, والإنابة واسطتهما. ثم بدأ يشرح هذه الثلاثة فيقول : " فكل من تاب لخوف العقوبة : فهو صاحب توبة, و من تاب طمعا في الثواب : فهو صاحب إنابة, و من تاب مراعاة للأمر لا لرغبة في الثواب أو رهبة في العقاب : فهو صاحب أوبة  "[15]
ثم يدلل على الثلاثة بالقرأن. " و يقال أيضا : التوبة صفة المؤمنين, قال تعالى : وتوبوا الى الله جميها أيها المؤمنون "[16]

و الإنابة : صفة الأولياء و المقربين, قال الله تعالى : و جاء بقلب منيب [17]
و الأوبة : صفة الأولياء و المرسلين, قال تعالى : نعم العبد إنه أواب [18]

أما عند صاحب كتاب منازل إياك نعبد و إياك نستعين فقد رتب التوبة إلى ثلاثة : توبة العامة, و الأوساط, و الخواص.

فتوبة العامة : الإثتكثار من الطاعة و هو يدعو الى جحود نعمة الستر و الإمهال و رؤية الحق على الله و الاستغناء الذي هو عين الجبروت و التوثب على الله

أما توبة الأوساط : من استقلال العبد المعصية و هو عين الجرأة و المبارزة ومحض التزين بالحمية و الاسترسال للقطعية

أما توبة الخواص : من تضييع الوقت فإنه يفضي إلى درك النقيصة ويطفء نور المراقبة و يكدر عين الصحبة [19] 

2.     الصابرون
قال تعالى : " و الله يحب الصابرين "[20]. و قال أيضا : " و الله مع الصابرين "[21].
الصبر في اللغة : تجلد و لم يجزع. صبر نفسه : حبسها و ضبتها.[22] و منه قوله تعالى : " و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه "[23]. و اصطلاحا كما قال ابن القيم الجوزية : " حبس النفس هن الجزع و التسخط و حبس اللسان عن الشكوى و حبس الجوارح عن التشويش "[24]
لقد ورد الصبر في القرأن نحو تسعين موضعا مما يدل علينا مدى أهميته و رفع مكانته. و هو نصف الإيمان حتى فضل الله تعلى أولي العزم الخمسة على سائر الأنبياء لصبرهم في حمل الرسالة. و قد مدح الله الصبر بقوله : " فاصبر صبرا جميلا "[25]
و صدق القائل إذ يقول :
الصبر مثل اسمه مر مذاقته # لكن عواقبه أحلى من العسل
لأن الله سيجازي الصابرين بأحلى العواقب. قال تعالى : " و لنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "[26] و قال أيضا : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "[27]
و الصبر كما قال صاحب كتاب منازل إياك نعبد و إياك نستعين على ثلاثة درجات. الدرجة الأولى : الصبر عن المعصية, بمطالعة الوعيد ابقاء على الإيمان و حذر من الحرام و أحسن منها الصبر هن المعصية حياء. الدرجة الثانية : الصبر على الطاعة بالمحافظة عليها دواما و برعايتها إخلاصا و يستحسنها علما. و الدرحة الثالثة : الصبر في البلاء بملاحظة حسن الجزاء و انتظار روح الفرج و تهوين البلية بعد أيادي المنن و بذكر سوالف النعم[28]

3.     المتطهرون
قال تعالى : " إن الله يحب التوابين و يحب المتطهين "[29]. حث الإسلام المسلمين على التطهر لما يترتب من الجمال و النظافة. و قدوتنا – صلى الله عليه و سلم – أنظف الناس و أطيبهم, و كان لا يفارق السواك, و كان يكره أن يشم رائحة كريهة. قال ابن الجوزي : "و قد فضلت الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك"[30]  
لذا قال تعالى : " لا تقم فيه أبدا, لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه, فيه رجال يحبون أن يتطهروا و الله يحب المطهرين "[31]
تأملت معظم الناس يركزون في نظافة طهارة الأبدان تركيزا مبالغا و يهملون البواطن. و الإسلام يهتم بهما معا . بل جعل البواطن أسسا للظواهر. قال – صلى الله عليه و سلم - : " ألا و إن في الجسد مضغة و إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله الا و هي القلب "

4.     المتوكلون     
قال تعالى : " فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين "[32] . لقد تعددت تعريفات التوكل. قال ذو النون : " هو ترك تدبير النفس و الإنلاع من الحول و القوة و إنما يقوي العبد على التوكل إذا علم الحق سبحانه يعلم و يرى ما هو فيه ". وسئل يحي بن مهاذ : " متى يكون الرجل متوكلا؟ فقال : إذا رضي بالله وكيلا ". و قال بهض العلماء : " التوكل هو التعلق بالله في كل حال "

لقد حثنا الشرع على ضرورة التخلق بالتوكل. و وردت 53 أية في القرأن تحثنا عليه. و التوكل محله القلب, و الحركة بالظاهر لا تنافي التوكل بالقلب, بعد تحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى. فإن تعسر شيء فبتقديره. فان اتفق شيء فبتيسيره. و من صدق توكله على الله في حصول شيء ناله, فإت كان محبوبا له مرضيا, كانت له فيه العاقبة المحمودة. و إن كان مسخوطا مغضوبا, كان ما حصل له بتوكله مضرة عليه.

روى الترمذي في كتاب الزهد ( 2344) عن عمر- رضي الله عنه- مرفوعا : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تعدو خماصا و تروح بطانا ". و صدق القائل إذ يقول :
توكل على الرحمن في الأمر كله # و لا ترغبن في العجز يوما على الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم # و عزي إليك الجدع يساقط الرطب
و لو شاء أدلى الجزع من غير هزة # إليها و لكن كل شيء له سبب

5.     المقسطون
قال تعالى : " إن الله يحب المقسطين "[33]. و القسط مرادف العدل, و هو إعطاء كل ذي حق حقه من غير تفرقة بين شخص و شخص, و محاسبة المسيء على قدر إساءته من غير إعانات أو محاباة. قال تعالى : " و إن طاءفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحدهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا إن الله يحب المقسطين "[34]

والإسلام ركز قدرا كبيرا من الإهتمام بالقسط و العدل في جميع أحوال الفرد, و خاصة ما يتعلق بمصالح الناس كالحكومة و الرعية. لذا, أمر الله تعالى المسلمين أن يتخلقوا بصفة العدل. قال تعالى : " يأيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى. و اتقوا الله إن الله خبير بما تعملون "[35]. و قال أيضا : " إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء 
والمنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون "[36]
و في يوم القيامة, اليوم الشديد, يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى¸سيظل الإمام العادل في ظل رحمة الله و توفيقه. قال – صلى الله عليه و سلم - : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, الإمام العادل ...".

وأسكنه الله تعالى في جنته. قال – صلى الله عليه و سلم - : " القضاة ثلاثة : واحد في الجنة و اثنان في النار¸فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به, و رجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار, و رجل قضى الناس على جهل فهو في النار "

وأعظم و أغلى ما ناله الإمام العادل محبة الله له, قال – صلى الله عليه و سلم - : " أحب الناس الى الله يوم القيامة و أدناهم منه مجلسا : إمام عادل. و أبغض الناس يوم القيامة و أبعدهم منه مجلسا : إمام جائر ".

الخاتمة

إن الإيمن بلا عمل كشجرة بلا ثمر, أو بتعبير أخر كجسد بلا روح, لا حياة فيه و لا حراك, لا يتأثر سلبا و لا إيجابا, و إنما ملقى على الارض و هو عرضة للأفات و الأعطاب, ثم سرعان ما يتحلل و يذوب, و يصبح أثرا بعد عين.

إن ثمرة الإيمان العمل الصالح, و خير العمل ما كان فيه إسعاد للبشرية, و لا سعادة للبشرية إلا في منهج الله و تحت ظلاله الوافرة.

والحب الحقيقي هو الذي يظلل تحت ظلال منهج الله. و هو متجسد في القرأن, وهو كما قال دكتور محمد سعيد رمضان البوطي يوجه القلوب إلى ما لا يستهي النفوس حبه, و يحذرها من حب ما يصعب على النفوس الإعراض عنه و التحرر منه.[37]

وأعلى مراتب الحب محبة الله لعبده. بدونها لا قيمة لحياتنا. و أسعد الناس من نال محبته, و أشقاهم من نال بغضه.

اللهم أنا نسألك حبك و حب من يحبك و حب عمل يقربنا الى حبك, و اجعل اللهم حبك أحب إلينا من الماء البارد للكبد الظمأن      


المراجع
1)    الحب في القرأن و دورالحب في حياة الإنسان.للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي. دار الفكر.2009 م
2)    الرسالة القشيرية في علم التصوف: للإمام العارف زين الإسلام بن القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيري النيسابوري. طبعة : المقاطم للنشر و التوزيع
3)    فنون الخطابة و زاد الخطيب. للدكتور جهاد محمود الأشقر. ط مكتبة الإيمان. 2008 م
4)    صيد الخاطر. لابن الجوزي. مكتبة مصر. الطبعة الأولى 2008 م / 1438 هـ
5)    مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين. لابن القيم الجوزية. مكتبة الرحاب. 2007 م
6)    المعجم الوسيط : مجمع اللغة العربية بالقاهرة, مكتبة الشروق الدولية : الطبعة الخامسة 2011 م / 1432 هـ     





[1] تناقش المقالة في مركز الكواكب الفصحاء بالقاهرة 29 مارس 2013 م
[2] انظر في مقدمة كتابه " الحب في القرأن و دور الحب في حياة الإنسان "
 [3] البقرة : أية 222
[4]  النور : أية 31
[5]  النساء : 17-18
[6] المعجم الوسيط : 92
[7] الرسالة القشيرية في علم التصوف صـ 154
[8] مدارج السالكين ج 1 صـ 219
[9] انظر إلى مدارج السالكين ج 1 ص 218
[10] انظر الى فنون الخطابة و زاد الخطيب ج 2 صـ 276- 280
[11] فنون الخطابة و راد الخطيب ج 2 صـ 278
[12] الرسالة القشيرة في علم التصوف صـ 154
[13] هود : 114
[14] انظر : الرسالة القشيرية : 157
[15] نفس المصدر السابق صـ 157
[16] النور : 31
[17] سورة ق : 33
[18] سورة ص : 30
[19] انظر الى مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين ج 1 ص 2 185-191 بالتصرف
[20]   أل عمران : 146
[21] البقرة : 249
[22] المعجم الوسيط : 525
[23]  الكهف : 28
[24]  مدارج السالكين
[25]  المعارج : 5
[26] النحل : 96
[27]  الزمر : 10
[28]  نقلت من مدارج السالكين ج 1 502-  504 , و هو أحسن الشروح لكتاب المنازل
[29]  البقرة : 222
[30] صيد الخاطر : 78
[31]  التوبة : 108
[32]  التوبة : 108
[33]  الحجرات : 9
[34] الحجرات : 9
[35]  المائدة : 8
[36] النحل : 90
[37] الحب في القرأن صـ 10

No comments:

Post a Comment