Friday, October 25, 2013

تاريخ علم المنطق


بسم الله الرحمن الرحيم
 تاريخ علم المنطق
بقلم الطالب : أحمد مشفع محمد طه
التمهيد
 الحمد الله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد.
فقال الله تعالى : ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)). وقال أيضا : ((والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)).
 خلق الله تعالى الإنسان مكرّما, وفضّله على كثير من المخلوقات تفضيلا, ومنحه نعمة العقل ليجعله خليفة في الأرض, فاستخدم الإنسان عقله وفكّر به ليدبر ما كان في حياته الحاضرة ويستقبل به ماسيكون في مستقبله, ولكي يستطيع من خلاله أن يميز الحق من الباطل, والصواب من الخطأ. ولكن ((فكر الإنسان ليس بصواب دائما, كيف وقد يناقض العقلاء بعضهم بعضا, بل الإنسان الواحد يناقض نفسه, فاحتجنا إلى قانون عاصم عن الخطأ, مفيد لطرق اكتساب النظريات من الضروريات, وذلك القانون هو المنطق)).[1]
ومع هذه النعمة العقلية العظيمة أرسل الله تعالى رسلا إلى قومهم من سيدنا آدم إلى سيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام مبشرين ومنذرين. فالإسلام دين أوحي به الله تعالى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, ومع كونه وحيا من عند الله تعالى الذي خلق الإنسان وعقله لا بد أن يتماشى الدين مع عقل الإنسان, ولا يمكن أن يختلف الدين بالعقل السليم, ولكن ما محمد إلا رسول, والرسول بشر وكل نفس ذائقة الموت, فالوحي منقطع بانتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى, والحياة مازالت مستمرة و ظلّت مشاكلها ناشئة, فاحتيج إلى كثير من إعمال العقل والفكر الدائم ليستنبط به حكم جديد مما أودعه الله تعالى لهذه الأمة الإسلامية من الكتاب والسنة.
والمسلمون في صدر الإسلام بكمالة فهمهم لشريعة الإسلام وطبيعتهم السليمة وفطرتهم النقية يستطيعون أن يحكموا على قضايا حياتهم وفق نهج كتاب الله وسنة رسوله, ولم يتطرق إليهم أفكار زائغة وشبه مشككة إلا وقد دفعوها وردّوها ردّا شديدا.
ثم انتشر الإسلام بعد مرور الزمان إلى شتى أنحاء العالم ودخل كثيرون في دين الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من معتنقي الأديان المختلفة, وامتزجت ثقافتهم بثقافة الإسلامية, ((فوجد الفاتحون أنهم في حاجة الإلمام بعلوم الفلسفة والمنطق ليواجهوا أهل هذه البلاد (يعني الشام والعراق وفارس) من مجوس, ويهود, ونصارى الذين يستخدمون الفلسفة والمنطق في عرض وتأييد أفكارهم ومعتقداتهم, وفي الطعن في مبادئ الإسلام وعقائده. فقاموا بترجمة كتب الفلسفة والمنطق إلى اللغة العربية ولم يقتصروا عليها, وإنما قاموا بالشرح والتحليل والتأليف والابتكار)).[2]
 ولما كانت الفلسفة والمنطق من ابتكارات الأمة اليونانية وفيها أكثر أغاليطهم وضلالاتهم قامت جماعة من العلماء بالذهاب إلى تحذير تعلّم وتعليم علم الفلسفة والمنطق, لأن هذين العلمين-فيما يقولونه- هما الذّينِ يقتضيان على تفرقة المسلمين إلى مذاهب شتّى وفرق متنوعة وأفكار زائغة.
وذهب الآخرون إلى جوازه بل إلى القول بفرضيته فرضا كفائيا لأن تلك العلوم -كما قالوا- نستطيع بها أن ندفع دين الإسلام ونرد شبه القوم الذين يريدون أن يدخلوا الشكوك للمسلمين, وأيضا لأن لتلك العلوم دورا كبيرا في العلوم الإسلامية وثقافتها, كما سنرى فيما بعد إن شاء الله تعالى. 
و هذه هي لمحة قصيرة لبحثنا وسيتناول بعد إن شاء الله تاريخ نشأة علم المنطق, والنزاع بين علماء المسلمين في جواز الاشتغال به, ودوره في العلوم الإسلامية, بعون الله تعالى وتوفيقه.
تاريخ النشأة والتطور لعلم المنطق
          من المعلوم لدى الباحثين أن علم المنطق يثق صلة بفلسفة اليونانيين, وذلك لأن اليونانيين يعتبروا من أوائل الأمم التي تفتح العالم العقلي لبناء حضارتها, قال الدكتور عبدالحليم محمود في مقدمة ترجمته لكتاب الفلسفة اليونانية أصولها وتطورها : ((أما الأمة اليونانية التي تأخرت نهضتها المدنية قرونا عن سابقيها من الأمم الأخرى فقد كان لهم حظ السبق إلى فتح هذا العالم العقلي, والكشف عن أغواره وأسراره, ونبش دفائنه)).[3]
          ((و تاريخ علم المنطق كان أول ظهوره في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد اليونان. حين غيرت أوضاع الحياة في هذا البلاد, الانقلابات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. فبدأ الناس يشتغلون بالجدل والمناظرة, لأنهم كانوا على جانب عظيم من الذكاء وقوة التعبير, وانصرفت همتهم إلى المجادلة والخطابة العامة, واستخدموا قواهم العقلية في المناقشة والدفاع عن أنفسهم أمام القضاة)).[4]  وازداد وضوحا حينما السوفسطائيون تلاعبوا بالألفاظ واهتموا بفن الجدل والحوار لقصد الغلبة على الخصم بالحق أو الباطل  وهدموا التقاليد الدينية. وهم يقولون ((لاتعدو الأساطير الإلهية أن تكون سوى مورد للقصص الجميلة والصور الصالحة لتنميق الكلام. وإذا لم يكن في قصص الموروث ما يمد المرء بالنص الذي يحتاج إليه فلم لا يختلق؟)).[5] فوصل مجتمع اليوناني إلى ما عليه من الانحطاط الخلقي بسبب السوفسطائيين وتعاليمهم الهدامة.
          ثم جاء سقراط (469-399 ق.م) خلال فترة الانحطاط لمجتمع اليوناني وأخذ بتعليم تهذيب النفس وتأديبها بالخير والفضيلة وهدم تعاليم السوفسطائيين وإبطال آرائهم. ((ثم كان الجهد الطيب المشكور الذي قدّمه سقراط عندما تكلم في موضوعين هامين من موضوعات المنطق, وهما موضوع التعريف أو القول الشارح وموضوع الاستقراء باعتباره نوعا من أنواع الاستدلال الهامة)).[6]
          ((وظهر أفلاطون (427-348 ق.م) تلميذ سقراط, فأوضح ما أتى به أستاذه من مبحثي التعريف والاستقراء وزاد موضوعا آخر في المنطق, وهو ما يسمى القسمة العقلية أو القسمة المنطيقية)).[7]
          ((ثم جاء أرسطو (384-322 ق.م) فأراد أن يصل إلى ما وصل إليه العقل الإنساني في عصره, فلم يترك فنا من فنون الفلسفة ولا ناحية من نواحي الفكر إلا درسها ودرس نتائج الأقدمين وبحوثهم, ونقدها جميعها, وذكر رأيه فيها وأضاف إليها ما هداه إليه بحثه, ثم استقصى قوانين العقل في البحث والتفكير ووضعها أساسا للمنطق, وضع الشروط والقواعد الضرورية في التفكير المؤدي إلى اليقين. ولذلك يعد واضع المنطق, وكتابه فيه يسمى النص)).[8]
          ولما بنى الإسكندر المقدوني مدينة الإسكندرية نقل إليها مفكري اليونان وظهرت المدرسة الأفلاطونية الحديثة التي اهتمت بالمسائل الأخلاقية, وقنعت بما تركه أرسطو فيما يتعلق بعلم المنطق. ثم انتقلت الفلسفة إلى مدارس السريان في وهران, وجونديسافور, ونصيبين واستمرت بها حتى فتح المسلمون الشام, والعراق, وفارس.[9]
          وتحديد بدء علم المسلمين بدائرة المعارف الفلسفية والعلمية اليونانية يعدّ أمرا صعبا, وهذا الذي جعل الباحثين في تاريخ الفكر الإسلامي يكتفون بالإشارة إلى عصر العباسيين كنقطة البدء في معرفة المسلمين لفلسفة اليونان ونقل تلك الفلسفة إلى العالم الإسلامي. ولكن ما يؤيده الدكتور علي سامي النشار : ((أن المسلمين عرفوا الفلسفة اليونانية في القرن الأول الهجري, وابتدأ المترجمون في نقل كتبها إلى اللغة العربية, وإذا كان للعباسيين (113-656 ه, 750-1258 م) فضل بعد ذلك فهو أنهم تابعوا تلك الحركة بنشاط عجيب, وكان أول علم اعتني به من علوم الفلسفة علم المنطق والنجوم)).[10]
          ثم اختصرتُ تاريخ علم المنطق بعد هذه الفترة على ما قاله الدكتور محمد ربيع جوهري : ((ولقد اعتمدت أوربا على ترجمات العرب  ومؤلفاتهم في المنطق بعد أن استيقظت من نومها العميق, وتحررت من سيطرة رجال الكنيسة المسيحية الذين كانوا يحرمون دراسة المنطق والفلسفة والعلوم العقلية.
          واستمرت الحال على هذا إلى أن جاء عصر النهضة, فثار بعض المفكرين على منطق أرسطو, واتهموه بأنه عقيم, يهتم بالشكل فقط من الفكر دون مادته, وأنه كان سببا في تأخر العلوم ولا بد من وضع منطق جديد يدفع العلوم إلى الرقي والتقدم.
          كان فرنسيس بيكون في طليعة هؤلاء المفكرين, فوضع كتابه في المنطق الذي سماه الأورغانون الجديد ليقعد فيه أسس المنطق الحديث منطق العلوم. وكان لكل من روجر بيكون, وإسحاق نيوتن, وجون استيوارت مل دور واضح في هذا الشأن. ثم تتابعت جهود الفلاسفة والمفكرين حتى صار علم المنطق على ما هو عليه الآن)).[11]  
          والله تعالى نسأل أن يوفّقنا ويؤدّينا إلى ما نرجوه ونتمّناه, وحسبنا الله ونعم الوكيل, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.  


[1] ) عبيد الله بن فضل الله الخبيصي, شرح التذهيب على تهذيب المنطق, (القاهرة : كليات جامعة الأزهر, 2005), ص 14.
[2] ) محمد ربيع محمد جوهري, ضوابط الفكر, (القاهرة : مكتبة الإيمان, ط 5, 2012), ص 19.
[3] ) عبد الحلبم محمود, الفلسفة اليونانية أصولها وتطورهها, (القاهرة : مكتبة الإيمان, 2004 ), ص 12.
[4] ) السيد علي حيدرة, علما المنق وآداب البحث والمناظرة, (القاهرة : الجزيرة , 2007), ص 7.
[5] ) الممرجع السابق, ص 95.
[6] ) محمد ربيع محمد جوهري, ضوابط الفكر, (القاهرة : مكتبة الإيمان, ط 5, 2012), ص 17.
[7] ) المرجع السابق, ص 17.
[8] ) السيد علي حيدرة, علما المنق وآداب البحث والمناظرة, (القاهرة : الجزيرة , 2007), ص 8.
[9] ) محمد ربيع محمد جوهري, ضوابط الفكر, (القاهرة : مكتبة الإيمان, ط 5, 2012), ص 19.
[10] ) علي سامي النشار,  مناهج البحث عند مفكري الإسلام, (القاهرة : دار السلام, ط 2, 2012), ص 11.
[11] ) محمد ربيع محمد جوهري, ضوابط الفكر, (القاهرة : مكتبة الإيمان, ط 5, 2012), ص 20.

No comments:

Post a Comment