Monday, June 17, 2013

الإسلام دين العلم والحضارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام دين العلم والحضارة
بقلم محي الدين صالح الدين

تمهيد

يذهب بعض الدارسين الغربيين إلى أن الإسلام دين التخلف, ضد العلوم والمعرفة, وأنه منحصر في المساجد فقط, ولا يهتم بالتقدم الحضاري والثقافي. أماالغرب فهم المجتمع العلمي والمدني ويسعون إلى تقدم, ويعتقدون أن التقدم الذي هم بصدده فما هو الا ثمرة جهدهم لا علاقة له بأي حضارة أخرى.

هذه التهمة باطلة لا أساس لها. بل التاريخ سجل خلاف هذه. فقط وصل المسلمون إلى التقدم المادي والروحي وصنعوا الحضارة العريقة العجيبة التي شهد لها كل عالم منصف في العالم وأنهم رفعوا لواء الفكر العلمي. وحضارتهم هي أطول الحضارات الإنسانية عمرا, و أعظمها أثرا في المدنية الحديثية بل أسهموا في بناء الحضارة الغربية الحديثة, حيث كانت بلاد المسلمين قبلة التي يقصد اليها طلاب المعرفة من العالم الأوروبي ليقتبسوا أفكار المسلمين.

الإسلام دين العلم, والقرآن مصدر ودستور هذا الدين. ولوطلعنا وبحثنا كلمة العلم ومشتقاته في القرآن فقط فضلا عن الحديث النبوي لوجدنا انها بلغت " سبعمائة وثمانين مرة " [1] , وجعل مقام طلب العلم في صف المجاهدين لإعلاء كلمة الله من ناحية المنزلة والأجر حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ", ويعتبر الرسول الطريق الذي يسلكه طالب العلم طريقا مؤديا إلى الجنة فيقول صلى الله عليه وسلم :" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ", ولم يفرق القرآن بين علم الدنيا وعلم الدين بل أوصى بهما جميعا. وقد إهتم المسلمون بهما.

ستركز هذه المقالة في تقدم المسلمين من ناحية العلوم الدنيوية المختلفة ردا على تهمة الغربيين وإعتزازا وفخرا لنا بتراثنا الماضي حتى نستيقظ من نومنا الطويل العميق ونبني حضارة عريقة كما كان المسلمون الأولون.


تراث الحضارة الإسلامية وإنجازاتها

يذهب بعض الدارسين إلى أن أول إنفتاح المسلمين الجاد في مجال العلوم الدنيوية ظهر في العصر العباسي[2] , وقد بدأوا بنقل وترجمة تراث الحضارات السالفة. وشجع الأمراء العلماء بإقامة البحوث العلمية والتأليف والإبتكار, حيث أقيمت من أجل ذالك الدواوين وبيوت الحكمة والمدارس[3] حتى اثمرت الحضارة الإسلامية ونضجت وملأت مسمع العالم المعمور آنذاك. وهذه بعض الأمثلة تبرز للقارئ على مدى تقدم المسلمون في العلوم المختلفة :

1-    الرياضيات
في علم الحساب نقل المسلمون الأرقام الهندية التسعة والصفر واستخدموها في العمليات الحسابية. وهذا النقل في حد ذاته يعد من أكبر الفتوح العلمية التي أسهمت في بناء صرح الحضارة الحديثية. كما أنشؤا عقد بديع محكم التركيب هو " علم الجبر والمقابلة " وبعد ذالك إستخدموا الرموز الجبرية وتولت بحوثهم واكتشافاتهم حتى تواصلوا إلى نظرية ذات الحدين قبل نيتون وقوانين المتواليات. ومن العلماء المسلمين في الرياضيات الخوارزمي والبتاني وإبن يونس والبيروني.
2-    في مجال الطب
يقول المستشرق سيريو : " إن الرازي وابن سينا سيطرا بكتبهما الطبية على مدارس الغرب زمنا طويلا, و عرف ابن سينا في أوروبا طبيبا, فكان له على مدارسها سلطان مطلق ستة قرون تقريبا, فترجم كتابه " القانون في الطب " المشتمل على خمسة أجزاء فطبع عدة مرات, باعتباره اساسا للدراسات في جامعات فرنسا و إيطاليا...".  ومن العلماء المسلمين في الطب : بنو زهر و إبن النفيس .
3-    في الصيدلية وعلم الأدوية
من العلماء في هذا الفن إبن البيطر, ألف "المغني في الأدوية المفردة "  و " الجامع المفردات الأدوية والأغذ ية " و " كتاب المغرب ", وهذا الأخر ضم فيه 2330 فصلا من الأطعمة والأدوية النبتية. وقد إخترع فيه واكتشف ( 300 ) وصف لأدوية كانت مجهولة قبل ذالك, حتى عرف في أوروبا بأنه ( أبو علم النبات )[4].
4-     علم الفيزياء
طورالعلماء المسلمون هذا العلم تطويرا كبيرا, وأسسوا فيه فروعا متخصصة أهمها " علم المناظر " المعروف الآن بــ " علم الضوء أو أوبتيك " الذي برع فيه الحسن إبن الهيثم[5].
5-    علم الكيمياء
طور المسلمون هذا الفن أيضا, يقول عنه ( جوس تاف لوبون : " ..... لولا ما وصل إليه العرب من نتائج واكتشافات ما تحقق لــلا فوازيية ما تحقق له من نصر في كشف عناصر الماء والهواء[6].
من العلماء المسلمين الذين أتقنوا في هذا الفن : جابر إين حيان ( 200 هـ | 815  م ), وخلف تصانيف كثيرة. قيل بلغت خمس مائة كتاب[7].
6-    المسلمون أول من إستعمل المنهج التجريبي في علمهم
ولم تكن هذه طريقة الأقدمين ولا يهتمون بذالك, ولم يقتنعوا الا بالتجربة العلمية في أبسط الأشياء, فعندما شرع السلطان "عضد الدولة" في بناء المستشفى الجديد, كلف الطبيب المشهور أبا بكر الرازي إختيار أنسب مكان وأصحه, فاستدعى الرازي بعض غلمانه, وأعطاهم قطعا من اللحم, وأمرهم بتعليقها في أماكن متفرقة من نواحي بغداد, ثم مر بعد وقت قطع اللحم المعلقة, وأختار المكان الذي لم تتغير فيه قطع اللحم بسرعة, ولم يعترها التلف. فبنى المستشفى بهذه التجربة البسيطة. يقول عنه غوس تاف لوبون : " إن أول من قام بالتجربة والرصد في الغرب هو بيكون ولكنه يجب أن يعترف اليوم بأن ذالك كله من عمل العرب وحدهم"[8] .
7-    التاريخ
عنى المسلمون بالتاريخ عناية كبيرة. ولقد قام بعض مستشرقي الألمان بإحصاء المؤرخين المسلمين في ألف سنة الأولى من الهجرة فبلغوا تسعين وخمسمائة مؤرخ عدا من فاته منهم[9].
ومن كبار المؤرخين أبو الفداء الملقب عماد الدين الايوبي ( 732 هـ ) وابن خلدون ( 808 هـ ), وابن عرب شاه ( 1450 م ), والصفدي ( 1323 م ) وابن خلكان ( 626 هـ ) وابن سعد  ( 230 هـ ) والطبري.
8-    جغرافيا
من العلماء في هذا الفن: الإدريسي ( 560 هـ ) وكتابه " نزهة المشتاق في إختراق الآفاق " مترجم إلى معظم لغات أوروبا الحديثة. وهو الذي صنع كرة فضية ضخمة تمثل الكرة الأرضية ولا تزال محفوظة في متاحف برلين حتى اليوم.
وقد اتقن المسلمون في العلوم المختلفة كالفلك, والجراحة, وعلم النبات, وعلم الحيوان, وعلم النفس, وغير ذالك مما لا يمكنني الذكر والبيان في هذه المقالة المتواضعة والتوضيح ما اكتشف المسلمون خوفا من الإطالة.

خاتمة

لقد إنتقلت أوروبا من الأزمة العلمية والحضارية الى الحضارة المدنية بعد أن أشرقت الآداب المحمدية على تلك البلاد من سماء الأندلس. وتبع إشراق تلك الآداب واشتغال الناس بها سطوع نور العلم الإسلامي من الجانب الشرقي. وأن المسلمين قد صنعوا الحضارة العريقة من خلال تعمقهم واكتشافاتهم في العلوم المختلفة, وازالوا الظلام ونوروا هذه الدنيا. قال جوس تاف افون جرينيباوون : " راح الغرب اللاتيني في زمن مبكر من العصور الوسطى يتقبل الفكرة القائلة بأن الحضارة تفيض من الشرق إلى الغرب"[10] .




المراجع
1-    تطور الفكر العلمي عند المسلمين, للدكتور محمد الصادق عفيفي, ط: مكتبة الاسرة 2010
2-    حضارة الإسلام, لغوس تاف افون جرينيباوون. مكتبة مصر
3-    عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية في العلوم الطبيعة والطب, لمحمد غريب جودة ط: 2, مكتبة الأسرة
4-    الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي. تقديم د. راغب السرجاني. ط.1, 2005, مؤسسة إقرأ    
    

     
  




[1] . أنظر " تطور الفكر العلمي عند المسلمين " ص : 13.
[2] . الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي ص : 394. ج : 2.
[3] . " تطور الفكر العلمي عند المسلمين " ص : 17.
[4] . الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي, ص: 397.
[5] . أنظر " عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية في علوم الطبيعة والطب" ص : 27.
[6] . نفس المصدر السابق, ص : 27.
[7] . المزيد من ترجمته أنظر " تطور الفكر العلمي عند المسلمين " ص : 172. أو ط عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية في العلوم الطبيعة والطب" ص : 61 – 69.
[8] . الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي, ص: 397.
[9] . " تطور الفكر العلمي عند المسلمين " ص : 327.
[10] . " حضارة الإسلام, ص : 87. 

No comments:

Post a Comment