أحمد سترياوان هريادي
الطالب بكلية
الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، جامعة الأزهر الشريف
ورئيس التحرير لمجلة
«همة» لاتحاد الطلبة الإندونيسيين بجمهورية مصر العربية
fetryx_hariadi@yahoo.com
الملخص
كان الاستشراق من أهم القضايا التي تلفت
أنظار علمائنا المسلمين ومفكرينا في العصر الحديث، ومع السلبيات التي لا تحصى، كان
للاستشراق دور بارز في فتح عيون المسلمين، وإرائهم قيمة تراثهم الإسلامي والحضاري،
بعد أن كانوا غافلين عنه أو منغلقي العيون، وكذلك دوره في إعمال عقول المفكرين
المسلمين في بيان حقائق الإسلام بعد أن شوّهها وحرفها المستشرقون وتلامذتهم
المسلمون المتأثرون بهم من خلال محاضراتهم ومؤلفاتهم، الذي -من غير شك- أثار
انتشار حركة التأليف والترجمة لدى المسلمين في كل المجال، فبلغ منتهى من الثراء
حتى يومنا الذي نعيش فيه؛ فكي نتأكد من صحة هذا القول، حاول الكاتب إيضاح ما
للاستشراق وما عليه من خلال مفهوم الاستشراق، ولمحته التاريخية، ودوافعه، وأهدافه،
وإنتاجاته، إلى موقف علمائنا المسلمين ومفكرينا.
التمهيد
منأهمالقضاياالتيطرحتعلىالإسلاموالحضارةالإسلاميةفيبدايةالقرنينالسابقينهيقضيةالاستشراقوالمستشرقين.
وخلالهذينالقرنيناكتملشكلها،وبداأثرهابعدأنكانتكامنة،ولفتتأنظارعلمائناالمسلمينومفكرينا،واحتلتمكانةهامةفيالفكرالإسلاميالمعاصر،وهي
-كماسنرىفيمابعد- منالقضاياالمتجددةشكلاالمقررةهدفا.
فقضيةالاستشراقوالمستشرقينقضيةجديدةفيكلمايتصلبهاعلىمايظهر،وقدعنىالباحثون
-سواءكانوامسلمينأومستشرقين- البحثفيهامنذأوائلالقرنينالسابقينكماأشرناإليه،بلازدادتشيوعافيمنتصفالقرنالماضي،إذظهرتطائفةمنعلمائناالمسلمينومفكرينامنيتتبعقضيةالاستشراقوالمستشرقين،ويتحققمنكلمايكتبهالمستشرقونفيمؤلفاتهم.
وبحوثالعلماءوالمفكرينفيهذهالقضية
-علىالإجمال- دائرةحولتاريخالاستشراق،ودوافعه،ووسائله،وأهدافه،ومدارسه،وأشهررجاله،وميزانالبحثعندالمستشرقين،ومنافذالفكرالاستشراقيإلىالعالمالإسلامي،وأثرالاستشراقوالمستشرقينفيالفكرالإسلاميالمعاصرإيجابياكانأوسلبيا.
وممايلفتأنظارناأننرىعدةمواقفعلمائناومثقفيناالمسلمينإزاءقضيةالاستشراقوالمستشرقين،وماتولدتمنها
-خاصةمايتعلقبالدينالإسلاميوالحضارةالإسلامية- منالأفكاروالإنتاجاتالعلمية؛فقدلاحظالأستاذعليبنإبراهيمالنملةهذهالمواقفحيثقال:
«وتكادمواقفعلماءالمسلمينومفكريالعربيةمنالمعلوماتالتيظهربهاالمستشرقونقديماوحديثاتنحصرفيثلاثةمواقف:
القبولالمطلقوالموقفالرافضيوموقفالمواجهة،وكلموقفمنالمواقفالثلاثةلهمبرراتهوأدلتهوبراهينه»([2]).
فقدأفرطقوممنمثقفيالمسلمينفيتمجيدالمستشرقينإذكانوا
-فينظرتهم- آتينبالمنهجالجديدفيالبحثوالإنتاجالعلميالذييبهرعقولهذاالقوم،فيثقونبهمكلالثفة،ويعتقدونأنماأنتجوامنخلالبحوثهمفيمنتهىالاصابة؛وأصبحالدكتورطهحسينوكتابه
«فيالأدبالجاهلي»خيرتمثيلعلىمانقول،وتبعهفيذلكالدكتورعاطفالعراقيفيكتابه «العقلوالتنوير»،وكذلكمننحانحوهما.
وفينفسالوقت،فقدفرّطقومفيتحقيرشأنالاستشراقوالمستشرقين،وكلمايتصلبهمامنإنتاجاتعلميةفيمجالالدراساتالإسلامية،فيتجاهلونجهودهمالبارزة،ويستخفونبقيمةإنتاجاتهمالعلمية؛ونرىالأستاذأحمدفارسالشدياقفيكتابه
«ذيلالفارياق» ممنيمثلهذاالفريق،وتبعهالشيخعبدالرحمنجبنّكةالميدانيفيكتابه «أجنحةالمكرالثلاثة:
التبشيروالاستشراقوالاستعمار»،وغيرهماممنسلكمسلكهما.
والحقالواقعأنعلماءناالمعاصرينومثقفينا
-معجهودهمالمعروفومثابرتهمالفائقة- لميصلواإلىماوصلإليهالمستشرقونمنالجهودالفريدةفيتأليفالمعاجموالموسوعاتخاصة؛ولاشك،أنماقاموابهفيهذاالمجال
«قدخدمالباحثينكثيرافيمجالاتمختلفة،وسدفراغاهائلاكانتتعانيمنهالمكتبةالعربية»([3]).
إذن،فمنالضروريأننستنتجمماأبنّا،أنللاستشراقلدىالإسلاموالمسلمينأثرينمتعاكسين؛إيجابيمنناحية،وسلبيمنناحيةأخرى،فالتيتهمنافيهذاالبحثمحاولةمعرفةمالناوماعلينامنقضيةالاستشراقوالمستشرقين،ومعرفةقدرومدىتأثرالفكرالإسلاميالمعاصربها،وتحديدالموقفالسديداللائقبها.
البحث
مفهومالاستشراقولمحتهالتاريخية
كلمة
«الاستشراق» مشتقةمن «الشرق» وهي «جهةشروقالشمس»([4])،و«شرّقأخذفيناحيةالشرق»([5]).
وزيادةالألفوالسينوالتاءفي «الاستشراق» تدلعلىالطلبأيطلبمافيالشرق.
وقداختلفالباحثونفيمفهوم
«الاستشراق»،ولنسقلكمثالامنتعاريفهمالعلميةللاستشراقمنخلالالمؤلفاتالتيعثرناعليها،قالالأستاذإدواردسعيد:
«الاستشراقأسلوبمنالفكرقائمعلىتمييزوجودي (أنطولوجي)،ومعرفي (إبستمولوجي) بينالشرقوالغرب»([6]).
وقالالأستاذأحمدحسنالزيات:
«يرادبالاستشراقاليومدراسةالغربيينلتاريخالشرقوأممهولغاتهوآدابهوعلومهوعاداتهومعتقداتهوأساطيره»([7]).
وقريبمنتعريفالأستاذالزياتماقالتهالدكتورةعفافصبرةفيتعريفهاللاستشراق: «والمستشرقوناصطلاحواسعيشملطوائفمتعددةتعملفيميادينالدراساتالشرقيةالمختلفة،فهميدرسونالعلوموالفنونوالآدابوالدياناتوالتاريخوكلمايخصشعوبالشرقمثلالهندوفارسوالصينواليابانوالعالمالعربيوغيرهممنأممالشرق»([8]).
وخصصمالكبننبيالتعريففقال:
«إننانعنيبالمستشرقينالكتّابالغربيينالذينيكتبونعنالفكرالإسلاميوعنالحضارةالإسلامية»([9]).
وفصلالدكتورالزياديالتعريفحيثيقول:
«الاستشراقإذاًهومحاولةالتعرفعلىالشرقفيإطارعاميتناولشرقاواسعالاتحدهالدياناتأوالقوميات،أوفيإطارخاصيكونالإسلاممحورهوالعروبةأداته،ويمكنأنيكونالاستشراقوسيلةأيضامنوسائلالسيطرةوالتحكمعلىالشرق،وهينظرةتأثرتإلىحدكبيربمجرياتالأحداثالعالميةفيفترةمابعدالقرنالتاسععشر،وهيفترةازدهارالاستشراقلابدايته»([10]).
هذهبعضالتعاريفللباحثين،ولوقدمنالكماعثرناعليهامنالتعاريفلطالبناالقول،ولسناهنانعقبعلىهذهالتعاريفكمافعلبعضالباحثين،ولكننودأننستنتجمماسبقأنهذهالتعاريفالتيذكرناهاترتكزعلىالصلةبينالشرقوالغربأيبينالأوروبيينوالأممالشرقيةمنالعربوالفرسوالهندوغيرهاعلىمايظهر.
ولعلتعريفالدكتورالزياديفيهذاالمجالأجمعوأمنع،إذفهمناشيئينأساسيينللاستشراق؛الأول:
المفهومالأكاديمي،ويعنىبهتخصصالغربيينفيأحدفروعالمعرفةذاتصلةبالشرقعامةوالدينالإسلاميوالحضارةالإسلاميةخاصة،والقائمبهيسمى
«مستشرق». وهذايتماشىمعماقالهالأستاذإدواردأن «منيقومبتدريسالشرق،أوالكتابةعنه،أوبحثهفيجوانبهالمحددةوالعامةعلىحدسواءهوالمستشرق،ومايقومهوأوهيبفعلههوالاستشراق»([11]).
والثاني:
المفهومالاستعماري،ويقصدبهمحاولةالغربيينفهمالشرقللسيطرةعليه،والتحكمفيه. وهذهالمحاولةهيالتيتتفقوالهدفالاستعماري،فدرسالغربيونالشرقسياسيا،واقتصاديا،واجتماعيا،وأيديولوجيا،وعلميا.
ومنأجلذلكاستنتجالدكتورمحمدإبراهيمالفيوميفقال: «ومنأجلتلكالرسالةالاستعماريةأصبحالاستشراقيحتلمكانةهامةبينمختلفمجالاتالعلموالمعرفةلدىالاستعماروميولالغربالاستغلالية»([12]).لذا،كانالاستشراقبهذاالمفهوميبدوسياسياأكثرمنأيشيءآخر،ومنثميؤمنالأستاذإدواردبأنالاستشراقبمفهومهالاستعماري
«نتاجلقوىونشاطاتسياسيةمعينة»([13]).
وبعد،فقدألممنابعضالإلمامبمفهومالاستشراق،واستعضنامايهمنافيهذاالصددبعضآراءالباحثين،فإذاكانالباحثونقداختلفوافيمفهوم
«الاستشراق» بشتىآرائهم،فقداختلفواكذلكفيتحديدتاريخظهورهتبعالمفهومه،لكنالحقالواقعكماأشارإليهالدكتورمحمدجلاءإدريس
«أنكلمة «الاستشراق» قدظهرتفياللغةالإنجليزيةحواليعام 1779،وأنكلمة «الاستشراق» قدظهرتفيقاموسالأكاديميةالفرنسيةعام
1838»([14]). إذن،فمصطلحالاستشراقمصطلحجديدلدىالغربيينعلىمايظهر،ولكنالاستشراقبمفهومهالأكاديميقدسبقتقريرهذاالمصطلحبقرونعديدة.
فقدأجادالدكتورفاروقعمرفوزيملاحظتهلآراءالباحثينحولنشأةحركةالاستشراق،فقال:
«أمانشأةالاستشراقفلايوجداتفاقبينالباحثينعلىفترةمعينةلبدايته،فمنهمأرجعتاريخهإلىالقرونالأولىالميلادية.
فيماذهبالعقيقيإلىأنهظهرعندالرهبانالذينقصدواالأندلسإبانمجدهاطلباللعلم،واشتهرمنهؤلاءالراهبالفرنسيجربرت،الذيانتخببابالكنيسةروماعام
999م. ومنهممنجعلالحروبالصليبيةبدايةللاستشراقحيثبدأالاحتكاكالسياسيوالدينيبينالإسلاموالنصرانية.
ويرىالبعضأنالبداياتالأولىللاستشراقتزامنتمعالحروبالدمويةالتينشبتبينالمسلمينوالنصارىفيالأندلسبعداستيلاءألفونسوالسادسعلىطليطلةعام
1056م. فيماذهبآخرونإلىأنالبداياتالأولىللاستشراقتعودإلىالقرنالثانيعشرللميلادحيثكانأولترجمةللقرآنإلىاللغةاللاتينيةوذلكسنة
1143م. كماعدآخرونحاجةالغربإلىالردعلىالإسلامومعرفةأسبابالقوةالدافعةلأبنائهخاصةبعدسقوطالقسطنطينةعام
1453محيثوقفالإسلامسدامانعالانتشارالنصرانيةبدايةللاستشراق. ثمإندافعتفهّمالعقليةالساميةكانسببالدراسةاللغةالعربيةوآدابهاوفهمعاداتوتقاليدوأديانالشعوبالتيأرادوااستعمارها.
ولذلكيؤرخالغربالمسيحيلبدءالاستشراقالرسميبصدورقرارمجمعفيناالكنسيعام 1312مبتأسيسعددمنكراسيالأستاذيةفياللغةالعربيةوالعبريةوالسريانيةفيجامعاتباريسوأكسفردوبولونياوسلامنكا.
وهكذااستمرتجهودالمستشرقينتنصبلدراسةالإسلام،وترجمةالقرآنالكريم،وكذلكالكتبالأدبيةوالعلميةحتىجاءالقرنالثامنعشرومابعدهحيثتمللغرباستعمارالعالمالإسلامي،واستيلائهعلىممتلكاتهالتراثية،واستحواذهعلىالمخطوطات،ونقلهاإلىمكتباتالغرب.
وفيالربعالأخيرمنالقرنالتاسععشرعقدأولمؤتمرللمستشرقينفيباريسعام 1873مثمتوالتمؤتمراتالمستشرقينبالانعقاد»([15]).اهـ
هذاموجزتاريخنشأةالاستشراقعلىشتىالآراءلبدايته،لكنالدكتورفوزي
-معالأسف- لميرجحواحدامنهذهالآراء؛صحيح،يجبعليناالإشادةبكفاحهذاالرجل،إذجمعالآراءالمتفرقةمنهناوهناك،ونرىأنمنالمستحسنأننرجحهذهالآراء،إلاأنالربطبيننشأةالاستشراقوبينالاختلاطالعلميالواقعفيالأندلسإبانعظمتهاومجدها،هوالذييتفقومفهومالاستشراقالأكاديمي،إذبانفيذلكالوقتإرسالالبعثاتالأوروبيةإلىالمراكزالعلميةفيالأندلسكماأشرناإليهمنقبل،وذلكمابينقرنيالثامنوالتاسعللميلاد،وهذاهوالرأيالذينطمئنإليه.
ولكنالاستشراقأخذيتركزدورهفيالربعالأخيرمنالقرنالتاسععشرللميلادومابعدهكماأشرنامنقبل،حيثتقررتأهدافه،وتجلتآثاره،وسمىالدكتورالزياديهذهالفترة
«مرحلةالتنظيمالفعلي»،وهي «منأهمالمراحلفيتاريخالاستشراق»([16]).
ونتيجةهذهالمرحلةتمثلتفيالجهدالفريدوالنشاطالمكثفلدىالمستشرقين،منأهممظاهرها([17]): عقدالمؤتمراتالاستشراقية،وإصدارالمجلاتالخاصةببحوثهمحولالإسلاموبلادهوشعوبه،وتأليفالكتبوالمعاجموالموسوعات،وإلقاءالمحاضراتفيالجامعاتوالجمعياتالعلمية.
وممايلفتأنظارنافيهذهالمرحلةأنأتاحالمستعمرونللمستشرقينفرصةعظيمةفيالحصولعلىجزءكبيرومهممنتراثالعالمالإسلاميثمنقلهإلىبلادهمومكتباتهم،
«وإذابأعدادهائلةمننوادرالمخطوطاتوأنفسهاتنتقلإلىمكتباتأوروبا،وقدبلغتفيأوائلالقرنالتاسععشر
250.000 (مائتينوخمسينألف) مجلد،ومازالهذاالعدديتزايدحتىاليوم»([18]).
نعم،نعتقدأنهذهالأعدادالعريضة
-بلاشك- تستدعيإعجابنا،كيفافتقدالمسلمونتراثهمالعلميوالحضاري؟! غيرأنهذاالتراثالوفيرأنفسماعنوابحفظه،واستطاعوابهأنيفتخرواأمامحضارةالأممالأخرىكلالافتخار،ونودأننقولإنهذاالمظهرالمحزنلنيقعلولاجهلالأمةالإسلاميةبقيمتهوالاغفالعنأهميتهآنذاك،وإلاأينهذهالأمةالجاهلةبتراثهاممنقبلهمفيالقرونالخمسةالأولىفيالاهتمامبالعلموبناءالحضارةالعجيبة؟شتانوشتانبينهما،وهذاالفقد
-كمابدالنا- أعجبمنفقدالمسلمينأرضالأندلسالمباركة.
دوافعالاستشراقوأهدافه
وبعد،فقدعرفتمفهومالاستشراقولمحتهالتاريخية،وعلمتكيفارتكزالاستشراقدورهفيالقرنالتاسععشرجملةوتفصيلا،وعجبتمعيمنفقدالمسلميننوادرتراثهمالعلميوالحضاريخلالشيوعحركةالاستعمارفيالبلادالإسلاميةوالعربيةحينذاك،وأرىأنمنالضروريأننبحثفيدوافعالاستشراقوأهدافهذهالدوافع،لنتحققمنشأنالاستشراقظاهراوباطنا،ولنفصلالقولفيماللاستشراقوماعليه.
فقدأثبتالأستاذنجيبالعقيقيأنه
«لميكنالدافعواحداللمستشرقينكافةفيجميعالبلدانخلالألفعام،بلكانتهناكدوافعمنوعة،متداخلة،متطورة،غلبعليهاالطابعالعلمي»([19]). وفصلالدكتورفوزيالكلامعندوافعالاستشراقبأنه
«ليسميسوراأننشيرإلىعاملواحدفيتفسيرالدوافعالتيحفّزتالمستشرقينإلىدراسةتاريخالإسلاموحضارته،ذلكلأنالاستشراقظاهرةتاريخيةمعقدةتنوعتدوافعهاعبرالقرون،وتباينتحسبالمراحلالتاريخية،وربماغلبعاملواحدأوأكثرفيمرحلةمعينةعلىغيرهمنالعوامل،ولكنالحقيقةتبقىواحدة،وهيأنجملةعواملاشتركتفيتحديدمعالمالاستشراقومنطلقاته»([20]).
ومنالمعلومأنالهدفيستتبعالدافع،حيثإنالدافعيمثلالمحرضالنفسيفياتخاذالوسائلالتيتحققهذاالهدف،إذاًنجدصلةمتينةبينالدافعوالهدف،وللاستشراقدوافععديدةوأهدافمتنوعةكماأشرناإليها،لكنمنخلالالكتبالمتعلقةبالاستشراقوالمستشرقينالتيعثرناعليها،وجدناالباحثين([21])كانوايتفقونعلىدوافعالاستشراقالثلاثةالبارزةوأهدافه؛وهيالدافعالدينيوهوأبرزهوهدفهالتبشيرأوالتنصير،والدافعالاستعماريوهدفهالسيطرةعلىبلدانالعالمالإسلاميوالشعوبالإسلامية،والدافعالعلميالنزيهوهدفهإشباعنهمعلميمتجرد،وتحصيلمعرفةصحيحة.
ويظهرليأنالدافعالدينيوالاستعماريللاستشراقتتفقوأحوالالعالمفيماقبلالخمسينياتمنالقرنالعشرين،إذشاعتآنذاكحركتاالاستعماروالتبشيرفيالبلادالإسلاميةبألوانهماالخاصة،فنرىحينئذصلةوثيقةبينالمستعمرينوالمستشرقين،حيثكانالمستشرقونقائمينبإسهامالمعلوماتالمتعلقةبالشرقسياسيا،واقتصاديا،واجتماعيا،وأيديولوجيا،وعلمياالتيتمهدحركةالاستعماركماأشرناإليهاعندالكلامعنمفهومالاستشراقالاستعماريمنقبل،ومنثَمَّلوأثبتناعدمصلاحيةالدافعالاستعماريفياليومالذينعيشفيهلمنبعدعنالصواب،حيثكانتحركةالاستعمارالغربيةفيالعالمكلهقدانتهتعمومابعدالخمسينياتمنالقرنالعشرين.
ونرىكذلكصلةمتينةبينالمبشرينوالمستشرقينالأوائل،إذكانتحركةالاستشراقنابعةمنالكنيسةكماأشرناإليهافيلمحةالاستشراقالتاريخيةمنقبل،فرجالالكنيسةهمالذينقاموابحركةالاستشراق،ومنالضروريأنيكونوامدفوعينإلىنشرالدينالمسيحيبحركةالاستشراق،فالمبشرهوالمستشرقنفسهفيآنواحد،ومنالطبيعيأناتخذالمستشرقونالطعنفيالأديانالشرقيةعموماوالإسلامخصوصاأداةلتنصيرالأمةالإسلاميةوغيرهامنالأمم.
وفيالعلاقةبينالتبشيروالاستشراقيقولالأستاذأحمدأمين:
«وكانمنالأسفأنيكونفيطليعةهؤلاءالمستشرقينمستشرقونمبشرون،فأخذوايستخدمونالإسلامفيالطعنعليهأداةللتبشير،ويختارونالأشياءالتيتثيرالأوروبيينعلىالمسلمينكفكرةتعددالزوجاتوملكاليمينوحديثالإفك...إلخ»([22]).
بعدأنكانالاستشراقملتصقابالتبشيرمنذقرونطويلة،أصبحالاستشراق
-كماقالالأستاذإدوارد- فيعصرناالحاضرفرعامنفروعالدراسةالجامعيةفيالغرب([23])،وبقياليومالمستشرقونغيرالمبشرينعموما،لكنمعالأسفأنهؤلاءالمستشرقينالجددلميغيروامناهجالاستشراقالدراسيةالموروثةمنقبلالمستشرقينالمبشرينالأقدمين،بلقلدواهاجملةوتفصيلا،ونحنفيهذاالصددنتفقمعالأستاذأحمدأمينفيقوله:
«وجاءمنبعدهممنالمستشرقينغيرالمبشرين،فسلكوامسلكهمواحتذواحذوهم،ولميسلكوامسلكالبحثالنزيهالمجرد،بلكانويضعونالاتهامأولاثميبحثونعنالأدلةالتيتقويهذاالاتهامفيماعداالقليلالنادرمنهم»([24]).
فعلىهذا،نستطيعأننقولبصراحةإنالدافعالدينيقداندثرتظواهرهفيأوساطالاستشراقشيئافشيئا،لاسيمابعدالخمسينياتمنالقرنالعشرين،حيثصارالتبشير
-فيمابعد- شيئاوالاستشراقشيئاآخر،ولكلمنهمالونخاصيتميزعنغيره،بيدأنالمستشرقينفياليومالذينعيشفيهلميزالوامتأثرين،بلمقلدينبالمستشرقينالأولينكماأبنّامنقبل،فصارالدافعالدينيأخيراكامنابعدأنكانظاهرا.
وبقيلناالدافعالعلمي،وهذاالذييتماشىمعكونالاستشراقفرعامنفروعالدراسةالجامعية،وطبيعيأنيستخرجهذاالدافعوهدفهالإنتاجاتالعلمية،والدراساتالعريضةفيأوساطالفكرالإنسانيالمعاصرعموماوالإسلاميخصوصا،ففيالمبحثالتاليسنحاول
-بمشيئةالله- استعراضهذهالإنتاجاتالعلميةالاستشراقيةفيمجالالدراساتالإسلاميةوالعربيةمشيراإلىموقفعلمائناالمسلمينومفكرينامنها.
الإنتاجاتالاستشراقية: مالهاوماعليها
منطبيعةالإنتاجالبشريأنيتأثركلالتأثربالطبيعةالبشريةمنكلزواياها،وإذاكانتالطبيعةالبشريةعلىفطرتهاتحملالصوابوالخطأ،فكذلكفيإنتاجاته،ولماكانتالإنتاجاتالاستشراقيةمنأحدالإنتاجالبشري،فضروريأنتكونالإنتاجاتالاستشراقيةتحملطبيعةالمنتججملةوتفصيلا،فنجدالنفعوالصلحفيجانب،ونجدالضرروالطلحفيجانبآخر،
«قديتغلبجانبعلىآخر،بلقديكونفيمضارهفائدةأوفوائدكبرى،ففيبعضالسمومشفاء؛ومنهذاالمنطلق،ينبغيعليناالنظرإلىالإنتاجالاستشراقي،فلانتوقعهخيراكاملاأوشرامحضا،فنستفيدمنخيراته،ونتحصنمنشروره»([25]).
ومماينبغيإلمامهاعندالشروعفيالكلامعنالإنتاجاتالاستشراقيةهيمجالاتالعملالاستشراقي،لنعرفمقدارالجهودالتيبذلهاالمستشرقون،ونستطيعبعدذلكموازنةالإنتاجاتالاستشراقيةبينالنفعوالضررلدىالإسلاموالمسلمين،ونستطيعأيضاأننتحققمنالموقفاللائقتجاهالإنتاجاتالاستشراقية.
ورأيناالباحثين([26])كادوايتفقونعلىأنأبرزمجالاتالعملالاستشراقيهيالعملالجامعي،ويقصدبهقيامالمستشرقينبالتدريسفيالجامعاتالغربيةوالعربية،وإنشاءكراسيالدراساتالشرقيةوالمعاهدالمتخصصةفيمجالاللغاتالشرقيةفيالغرب.
وقداستكشفالدكتورالزياديالسرفيإبرازهذاالمجاللدىالمستشرقينفقال:
«لقدشغلتالمحاضرةالجامعيةحيزامهمافيالعملالاستشراقي،فهيتوفرللمستشرقينفرصةكبيرةفيطرقالعديدمنالأفكاروالانتقالبينمواضعكثيرةقدلاتوفرهافرصةالتأليفالمنهجي،وإذاكانتهذهالمحاضرةعامةوخارجنطاقالمنهج،فإنفرصةالعملفيهاأفضللكثرةحضورهاوتنوعاهتمامهم»([27]).
«ونظرالأهميةالتدريسالجامعيفينشرالفكرالاستشراقي،فقدعملالمستشرقونعلىالدخولفيالجامعاتالعربيةخاصةوالشرقيةعامة،وشهدتكثيرمنهذهالجامعاتعصراكانالمستشرقونهمروادالتدريسفيها،ونذكرعلىسبيلالمثال:
«بلتيه» الذيدرسفيكليةالحقوقبالجزائر،و«هوداس» الذيعينأستاذاللغةالعربيةفيالجزائر،و«هنريباسه»
الذيعينمديرالمعهدالدراساتالعليافيالرباط؛وفيالجامعةالمصريةكانالإيطاليون «جويدي» و«سانتلانا»
و«نللينو»،والفرسي «كازانوفا»،والبلجيكي «جريجوار»،والألماني «شاخت» وغيرهمكثير،ومنجامعاتسورياولبنانكان
«ألفردكارلتون» فيسورياو«رويمر» فيبيروتيشغلمديرمعهدالدراساتالإسلامية... إلخ»([28]).
ومنأبرزمجالاتالعملالاستشراقيبعدالعملالجامعيماتتمثلفيجهودالمستشرقينإزاءالمخطوطاتالشرقيةعموماوالعربيةخصوصا،فقامالمستشرقونبجمعها،وصونها،وفهرستها،وتحقيقها،وطبعها،ثمنشرهافيالبلاد،وذلكلأنالمستشرقين
-كماقالالدكتورمحمدجلاءإدريس- «أدركواالقيمةالعلميةلمثلهذهالمخطوطاتالتيتحملتراثاثريافيمختلفالعلوموالفنون،ويمكنالقولبأنهذهالمخطوطاتهيصاحبةالفضلالأكبرعلىالدراساتالاستشراقيةفيأوروبا»([29]).
وأنتإذاتتبعتالأستاذنجيبالعقيقيفيكتابه «المستشرقون»([30])،لتجلىلكماقامبهالمستشرقونمنالجهدالفريدوالنشاطالمكثفتجاهمخطوطاتناالعربيةجمعا،وصونا،وفهرسة،وتحقيقا،ونشرا،وترجمةإلىشتىاللغاتكماأشرناإليهفيماسبق؛وهذا
-لاشك- يستدعيإعجابنا،حتىكأنالمستشرقين -عندتصويرالأستاذالعقيقيلهم- خلقمنعالمغيرعالمنا—إنصحالتعبير.
ولنسقلكمثالاعلىماقالهالأستاذنجيبالعقيقيعنجهودالمستشرقينفيتحقيقمخطوطاتنا:
«ولميكتفالمستشرقونمنمخطوطاتنابالتنقيبعنها،وجمعها،وصونها،وفهرستها،وإنماعمدوافعلهمبآثارناإلىإحيائهابتحقيقهاوبنشرهاعنكفايةوجلدوافتنانعلىأحدثمنهجعلميمنقراءةنصوصهاالصعبةفيأوراقطمسالزمنالكثيرمنملامحها،ثممقابلتهابنظيراتها،والتماسالأصالةفيها،والتثبتمنصحةنسبهاإلىأصحابهابمتعددالأقلام،وفيمختلفالأزمان،مهماكلفهمذلكمنعناءووقتومال
(ففلوجيلمثلاقضىخمساوعشرينسنةفيجمعمخطوطاتنصكتابالفهرستلابنالنديممنمكتباتفييناوباريسولندن،وماتولميتمتحقيقها)،ومنتصحيحمافيهمنتحريفأوتصحيفونقدهاوتحميصهاعلىضوءالاكتشافاتالحديثةفيالآثاروالعلوموالآدابوالفنون،ومنأمانةعلىالنصبحيثلايبيحأحدهملقلمهأنيتناولكلمةأوحرفامنهابالحذفأوالإضافةأوالتغيير،ومنشرحغوامضهاوالاستدراكعليهاوالإضافةإليهافيهوامشها»([31]).
«والمنهجالعلميالحديثالذيانتهجوهفينشرمخطوطاتناعصممعظمأقلامهممنالزللإلىحدبعيد،فأنطونيبيفانحققنقائضجريروالفرزدقفي1102
منالصفحات،وحينعثرعلىخللفيوزنأحدأبياتهابعدنشرها،اغتملهغماشديدا،ولميعزهعنهتذييلهالنقائضبفهرسمعجميلتفسيربعضمعانيالألفاظالتيأهملتهاالمعاجمالعربيةالقديمةبحسبالقرائن،وماتضمنذلكالفهرسمنحواشوشروح،فوقعفي
367 صفحة.
ونشرستوري «الفاخر» للمفضلالضبيوذيلهبفهارسللشعراءوالرجالوالأمثلةوالقوافيوالألفاظ،وديخويه
«تاريخالرسلوالملوك» للطبريفي 8000 صفحةو150 مقدماتوفهارس،ومرجليوث «معجمالأدباء» لياقوتفيسبعةأجزاء،وآربيريكتاب
«المواقف» ويليهكتاب «المخاطبات» للنفري،وياكوبأسماءالنباتالمذكورةفيالشعرالجاهلي.
وكثيراماكانوايتعاونونفيهذاكماحدثفيكتاب «فتوحالبلدان» للبلاذريبتحقيق: الوردوديخويهفيثلاثةأجزاء،وكتاب
«الطبقاتالكبير» لابنسعدكاتبالواقديبتحقيق: زاخاو،وهوروفيتش،وليبرت،وسترستين،وبروكلمان،بعدمقابلةمخطوطهعلىمعظمنسخهفيمختلفمكتباتالعالم...
إلخ»([32]).
ومعمافيقولالأستاذالعقيقيهذامنالتزينوالمجاملة،فهو
-بغضالنظرعنالدوافعالكامنةوراءهذهالأنشطة- يدلناعلىقدركبيرمنجهودالمستشرقينفيسلكهمالمسلكالصعبإزاءمخطوطاتنا،وحسبنادليلاعلىذلكمااستنتجهالدكتورعبدالعظيمالديببعدقراءةفاحصةواستقراءشاملمماقامبهالمستشرقونتجاهتراثنافيرسالتهالقيمةفقال:
«إنحجمعملالمستشرقينفيمجلالتراثوتحقيقهلايكاديذكر»([33]).
ومعأسفنالهذاالمظهرالمحزنبماسبقبهالمستشرقونالمسلمينفيالاهتمامبتراثهمالثري،نرىبعدذلكجهودالمستشرقينفيطباعته،و«كانالمستشرقونأولمنأنشأأولمطبعةشرقيةفيالغرب
(ماينس 1486)،ومازالتأمهاتالكتبتتوالىعلينامنأشهرمطابعهمفيليدنوالتيتضمحروفعشرينلغةشرقية»([34]). ونرىكذلكجهودهمفيترجمةتراثناالإسلاميإلىشتىاللغاتالأوروبيةكماأشرناإليهمنقبل،
«فترجموادواوينالشعر،والمعلقات،وكتبالتاريخ،وغيرهامنكتبالأدبواللغةوالتاريخوالعلوموالفلسفة...
إلخ»([35]).
ويليتلكالأنشطةالاستشراقيةالتيذكرناهانشاطتأليفالكتبوالمعاجموالموسوعات،فهذاالنشاطيشملكلمايتعلقبالدينالإسلاميوالحضارةالإسلاميةجملةوتفصيلا([36])،حتىلانكادنجدجانباواحداممايتعلقبالعربوالمسلمينإلاوللمستشرقيننصيبفيه،فقدأحصىالأستاذإدواردسعيدجملةالكتبالمتعلقةبالشرقالتيكتبهاالمستشرقونخلالفترةمابين
1800 و 1950،فبلغ 60.000 كتاب([37])؛ «وأماموضوعالمعاجمفقدقامالمستشرقونفيهبجهدفريدلاينكرهإلامنجهلهولميقفعلىحقيقته،فماقامبههؤلاءفيهذاالجانبقدخدمالباحثينكثيرافيمجالاتمختلفة،وسدفراغاهائلاكانتتعانيمنهالمكتبةالعربية»([38])، «ويأتيعلىرأسهذهالمعاجمكلهادائرةالمعارفالإسلاميةالتيظهرتفيالفترةمابين
1913 و 1936... إلخ»([39]).
ومعهذهالأعدادالعريضة،إلاأننالاننكروجودالسلبياتللإسلاموالمسلمينفيمؤلفاتالمستشرقينالمتعلقةبالدينالإسلاميوالحضارةالإسلامية،وتتجلىهذهالسلبياتفيمحاولةبعضالمستشرقينالطعنفيالإسلام،ونبيه،وقرآنه،وعقيدته،وشريعته؛ولميكتفوابالطعنفحسب،بلقاموابتشويهمحاسنالإسلاموتحريفحقائقه،وكييزدادلناالوضوحلهذهالمحاولةالمؤسفة،نسوقلكمثالامنبعضآرائهموأقوالهمالتيعثرناعليهافيكتبعلمائناالمسلمينومفكريناأمثال:
كتاب «دفاععنالعقيدةوالشريعةضدمطاعنالمستشرقين» للشيخمحمدالغزالي،وكتاب «السنةومكانتهافيالتشريعالإسلامي»
للدكتورمصطفىالسباعي،وكتاب «الإسقاطفيمناهجالمستشرقينوالمبشرين» للدكتورشوقيأبوخليل.
فقدقامالشيخمحمدالغزاليبتلخيصآراءجولدتسيهرالباطلةفيكتابه
«العقيدةوالشريعةفيالإسلام» حولأصلالإسلاموالروافدالتيأمدتهعلىمرالعصور،فقالالشيخالغزاليملخصاآراءهذاالمستشرق:
«وهويرىأنالإسلامليسمنصنعمحمدوحده،بلهوأيضامنصنعالأجيالالتيجاءتبعده؛العقيدةوالشريعةبدأتاعلىيدمحمدفيالقرنالأولالهجري،ثمأتىالمفكرونالصالحونوالظالمونكذلكفنمواهذهالتراثالساذجالذيتركهالنبيالعربي،وزادوافيهكمّاوكيفا،حتىبلغالحدالذيوصلإليهفيعصرناهذا.
ومعنىهذاالكلامبلغةالموازينأنالإسلامالذيخلفهمحمدلميكنيساويأكثرمنأقة،وأنهإذاكانيساويالآنعشرأقات،فإنهذاالتسعجاءتمنإضافةالعقلالإسلاميطولأربعةعشرقرنا؛ثمإنالعقلالإسلامياستجلبهذهالمقاديرالزائدةمنشتىالثقافاتوالحضاراتالتياتصلبها،بلإنمحمدانفسهلميأتبهذاالدين،لامنعندالله،ولامنعندنفسه،لقدنقلأغلبأصولهوفروعهمنالرومانوالفرسوالهنود،واستطاعأنيمزجهذهالنقولالمجلوبةبنفسهومشاعره،وأنيقتنعبأنهصاحبالرسالةلإصلاحالعربوالوثنيين،ثممضىفيطريقهحتبلغمابلغ...
إلخ»([40]).
ومننموذجأقوالبعضالمستشرقينالفاسدةحولالإسلامونبيهماقالهجولدتسيهر:
«فتبشيرالنبيالعربيليسإلامزيجامنتخبامنمعارفوآراءدينية،عرفهاأواستقاهابسبباتصالهبالعناصراليهوديةوالمسيحيةوغيرهاالتيتأثربهاتأثراعميقا،والتيرآهاجديرةبأنتوقظعاطفةدينيةحقيقيةعندبنىوطنه»([41]). وقاللطفيلوفنيان:
«إنتاريخالإسلامكانسلسلةمخيفةمنسفكالدماءوالحروبوالمذابح»([42]). وقالكارلبروكلمان:
«يتحتمعلىالمسلمأنيعلنالعداوةعلىغيرالمسلمينحيثوجدهم،لأنمحاربةغيرالمسلمينواجبديني»([43]). وقالفيليبحتِّي:
«لقدنسجالإسلامفيترتيبصلاةالجمةعلىمنوالاليهودفيعبادتهمبالكنيس،إلاأنهمنبعدبطقوسصلاةالأحدالتييمارسهاالنصارىفيالبيَع»([44]).
هذهأقوالبعضالمستشرقينالتي -لاشك- تقللمنشأنهمعندعلمائناالمسلمينومفكرينا،وكادتتحبطكلمابذلهامنالجهودالتيذكرناهالكمنقبل،ولوقدمنالكماعثرناعليهامنمطاعنهملطالبناالقول،بللاحتاجإلىكتابمستقليبحثفيهذهالمطاعنويردعليها.
فعلىالرغممنهذاالمظهرالمؤسف،إلاأننالاننكروجودبعضالمستشرقينالمنصفينفيتأليفاتهمعنالدينالإسلاميوالحضارةالإسلاميةأمثالتوماسأرنولدحينأنصفالمسلمينفيكتابه
«الدعوةإلىالإسلام». وكذلكنرىإنصافالمستشرقغستافلوبونعندقوله: «كانتأثيرالعربفيالغربغظيماللغاية،فأوروبامدينةللعرببحضارتها،ونحنلانستطيعأنندركتأثيرالعربفيالغربإلاإذاتصورناحالةأوروباعندماأدخلالعربالحضارةإليها»([45]). ومثلهإنصافالمستشرقنيكلسونفيقوله:
«وإنأعمالالعربالعلميةاتسمتبالدقة،وسعةالأفق،وقداستمدمنهالعلمالحديث -بكلماتحملهذهالعبارةمنمعان-
مقدماتهبصورةأكثرفاعليةممانفترض»([46]).
مواقفعلمائناالمسلمينومفكريناإزاءالإنتاجاتالاستشراقية
وبعد،فقدألممنابعضالإلمامبالإنتاجاتالاستشراقية،وقدمنالكمالازمهوثابرهالمستشرقونمنالعملالجامعي،وقيامهمبجمعتراثناوصونهوفهرستهوتحقيقهوترجمتهوطبعهثمنشرهممايدلعلىالإيجابياتالتيلاينبغيلناإنكارهاأوتجاهلها،ورأينابعدذلكاشتغالهمبتأليفالكتبوالمعاجموالموسوعاتالمتعلقةبالدينالإسلاميوالحضارةالإسلاميةإلىأقصىالحدود،وقدمنالكبعضسلبياتالتأليفاتالاستشراقيةمنمطاعنهمعلىالإسلامونبيهوقرآنهوعقيدتهوشريعتهوحضارته،وتبعتلكالسلبياتوجودفئةالمستشرقينالمنصفينفيتأليفاتهم،إلاأنناوصلناالآنإلىتحديدالموقفالسديداللائقتجاهالإنتاجاتالاستشراقية.
فقدأفرطبعضمفكرينافيتمجيدشأنالمستشرقينوالثناءعليهم،فبالغوافيتصديقهموتوثيقهموإبرازالجهودالتيبذلهاالمستشرقون،وافتخروابهمكلالافتخارفيأخذهمآراءالمستشرقينفيمؤلفاتهم،وطبيعيأننجداستخفافهمواحتقارهممنشأنبعضمفكريالمسلمينالذينيهاجمونالمستشرقينويستنكروندورهم،فيطلقونعليهم
«دعاةالظلام» وصاحب «الانغلاقالفكري»،و«أنصارالتقليد» و«أعداءالتجديد» كمافعلالدكتورعاطفالعراقيفيكتابه
«العقلوالتنوير»([47]). ولنضربلكمثالالبعضأقولهم؛قالالأستاذنجيبالعقيقي
-بعدأناستعرضتراجمالمستشرقينوآثارهم- متسائلا: «فهليتساوىنشاطهملهوتضافرهمفيهمعالذيقاموابهفيمتعددأوجههمقداراومدى؟»([48]).
وقالالدكتورطهحسينمعجبابهم: «وكيفنتصورأستاذاللأدبالعربيلايلمولاينتظرأنيلمبماانتهىإليهالأفرنج
(أيالمستشرقون) منالنتائجالعلميةالمختلفةحيندرسواتاريخالشرقوأدبهولغاتهالمختلفة! وإنمايلتمسالعلمالآنعندهؤلاءالناس،ولابدمنإلتماسهعندهم؛حتىيتاحلنانحنأنننهضعلىأقدامنا،ونطيربأجنحتنا،ونستردماغلبناعليههؤلاءالناسمنعلومناوتاريخناوآدابنا»([49]).
وتبعهفيذلكتلميذهالدكتورعاطفالعراقيفقالبصراحةمدافعاعنالمستشرقين:
«إننيأدافعمنالمستشرقيندفاعالاحدله،ولاأترددفيأنأقولإنبعضالأحكامالتينجدهاعندالمستشرقينقدتكونأكثرعمقامنالأحكامالسطحيةالفجةوالتييقولبهاكثيرمنالمؤلفينالعرب،ولنفرضجدلاأننانختلفمعهم»([50])؛و«إنصفحاتالمستشرقينتعدتعبيراعنالعظمةوالمجد»([51])، «وينبغيأننضعفياعتبارناكماقلناأنالمستشرقينكانوادعاةللحضارة،دعاةللعلم،دعاةللنور»([52]).
وفيمقابلتلكالفرقة،نجدإفراطبعضمفكريناالمسلمينقائمينبتجريحالمستشرقين،والاحتقارمنشأنهمجملةوتفصيلا،وذلكلأنجهودالمستشرقين
-فياعتقادهم- «مشبوهةبدوافعها،مملوءةبنواقصها،فالهدفمننشرالتراثالعربيوالإسلاميمثلاهومعرفةجوانبالقوةللقضاءعليها،وجوانبالضعفلتعميقها؛وقداهتمالاستشراقفيمجالالنشربالجوانبالسلبيةفيتراثناأكثرمنالجوانبالإيجابية،ومناهجالتحقيقلمتكنعلمية،فضلاعنأخطاءالفهموالتحريفاتوالتعليقاتالتيتعكسروحالتعصبلدىأصحابها»([53]).
وممنيمثلهذهالطائفةالأستاذأحمدفارسالشدياق،فجعلالمستشرقينضرراوبلاءلانفعمنهمولادفع،فقال:
«إنهؤلاءالأساتيذ (المستشرقين) لميأخذوالعلمعنشيوخه،وإنماتطفلواعليهتطفلا،وتثوبواتثوبا،ومنتخرجفيهبشيءفإنماتخرجعلىالقسس،ثمأدخلرأسهفيأضغاثأحلام،أوأدخلأضغاثأحلامفيرأسه،وتوهمأنهيعرفشيئاوهويجهله،وكلمنهمإذادرسفيإحدىلغاتالشرقأوترجمشيئامنها،تراهيخبطفيهاخبطعشواء،فمااشتبهعليهمنهارقعهمنعندهبماشاء،وماكانبينالشبهةواليقينحدسفيهوخمن،فرجحالمرجوحوفضلالمفضول»([54]).
وبينكلتاالفرقتيننجدطائفةمعتدلةمنبعضمفكريناالمسلمين،فوقفواتجاهالإنتاجاتالاستشراقيةموقفالمنصفالعدل،وأقروابحسناتهاوسيئاتها،ودعواالناسإلىالاستفادةمنها،وممنيمثلهذهالطائفةالأستاذأبوالحسنالندويحيثحثّناعلىنقدالاستشراقباتباعأسلوبعلمينزيه،نسوقلكقولهللتمثيلعلىمانقول.
قالالأستاذأبوالحسنالندوي: «أعترفبكلوضوحوصراحةأنعددامنالمستشرقينكرسواحياتهموطاقاتهمعلىدراسةالعلومالإسلامية،وتبنواموضوعالشرقياتوالإسلامياتبدونتأثيرعواملسياسيةواقتصاديةأودينية،بللمجردذوقهموشغفهمبالعلم،وبذلوافيهاجهوداضخمة،ويكونمنالمكابرةوالتقصيرأنلاينطلقاللسانبمدحهاوالثناءعليها؛ورغمهذاالاعترافبفضلهملايمنعنيشيءمنأنأصرحبأنطائفةكبيرةمنالمستشرقينكاندأبهاالبحثعنمواضعالضعففيالشريعةالإسلاميةوالحضارةوالتاريخالإسلاميوإبرازهالأجلغايةسياسيةأودينية»([55]).
ونرىهذاالموقفالمنصفيتجلىأيضافيكتابةالدكتورمصطفىالسباعي،علىالرغممنميلهإلىتجريحالاستشراقأكثرمنتعديله،عندمانقرأكتابه
«السنةومكانتهافيالتشريعالإسلامي» ورسالتهالقيمة «الاستشراقوالمستشرقونمالهموماعليهم»،ونضربلكمثالامنقولهالمنصف.
قالالدكتورالسباعي([56]): «وفيالحقأنكلامنالثناءالمطلقوالتحاملالمطلقيتنافىمعالحقيقةالتاريخيةالتيسجلهاهؤلاءالمستشرقونفيماقاموابهمنأعمال،وماطرقوإليهمنأبحاث،ونحنمنقوميأمرهمدينهمبالعدلحتىمعأعدائهم
﴿وَلَايَجْرِمَنَّكُمْشَنَآنُقَوْمٍعَلَىأَلَّاتَعْدِلُوْااعدِلُوْاهُوَأَقْرَبُلِلتَّقْوَى﴾([57])».
وبعد،فهذاعرضشديدالإيجازلثلاثةمواقفعلمائناالمسلمينومفكرينا،ومعاليقينمنأنهاتحتاجإلىاستعراضأبرز،وبيانأدق،إلاأننانشعربكفايةعرضمايهمنافيهذاالصدد،ونحنبعدهذانتساءل:
ماالموقفالسديداللائقبالاستشراق؟فالموقفالذييستحسنهعقلي،ويطمئنإليهقلبيهوالموقفالمنصف.
وذلكلأنمنأبرزسماتالمؤمنالسليمالفطرة،الراجحالعقل،الكريمالخلق،أنيكونالحققصدهفيكلمجالاتالحياةالإنسانية،ويعتبرالحكمةضالتهفيأخذهاحيثمايجدها،ويستفيدقدرطاقتهمنخيراتكلالقضاياالتيطرحتعليهكلالاستفادة،ويتحصنمنشرورها؛فمنهذاالمنطلقنقفمنصفامتوسطاعدلا،لانعتبرالإنتاجاتالاستشراقيةخيراكلهاولاشراكلها،بلنستعرضصوابهاونقربها،ونستكشفخطأهاونبينللناسصوابها.
الخاتمة
أمابعد،فقدوصلناإلىخاتمةهذاالبحث،فالنظرةالعامةإلىمااستعرضنالكمنمفهومالاستشراق،ولمحتهالتاريخية،ودوافعه،وأهدافه،وإنتاجاته،إلىموقفعلمائناالمسلمينومفكرينا؛تبديلناأننالمنذكرإلاطوائفرئيسيةللاستشراق،بيدأنناقدأهملناطوائفهالعديدة،مثلمناهجالاستشراق،ومدارسه،وأشهررجاله،وغيرها؛وذلكلأننانراهالاتهمنافيبحثناكثيرا.
وأَيًّاماكانالأمر،فقدكانالاستشراقمنأهمالقضاياالتيتلفتأنظارعلمائناالمسلمينومفكرينافيالعصرالحديثكماأبنّامنقبل،ولهدورهالبازرمنخلالجهودالمستشرقينومثابرتهمفيفتحعيونناالشرقيين،وإرائناقيمةتراثناالإسلاميوالحضاري،بعدأنكناغافلينعنهأومنغلقيالعيون.
وكذلكدورهفيإعمالعقولالمفكرينالمسلمينفيبيانحقائقالإسلامبعدأنشوّههاوحرفهاالمستشرقونوتلامذتهمالمسلمونالمتأثرونبهممنخلالمحاضراتهمومؤلفاتهم،الذي
-منغيرشك- أثارانتشارحركةالتأليفوالترجمةلدىالمسلمينفيكلالمجال،فبلغمنتهىمنالثراءحتىيومناالذينعيشفيه.
وقدقمناأيضابتحقيقالموقفالسديداللائقبالاستشراق،لمارأيناعدةمواقفمفكريناالمسلمينتجاهالاستشراق،فخرجنابالاستنتاجعلىأنالموقفالسديداللائقبههوالموقفالمنصفالمتوسطالعدل،لانبالغفيتمجيدالمستشرقينوالثقةبهم،ولانبالغفينقدهموتجريحهم،وإنمانقدرهمحسبماقدموالنامنالجهودالبارزةإزاءتراثنابالتقديراللائقبهم،ونبينلهموللعالمينجميعاحقائقدينالإسلامالتيشوهوهاوحرفوها،أولميعثرواعلىحقائقها.
ومعاعتقاديأنهناكفئةمنالمؤلفينالبارزينالمحققينمنمشارقالأرضومغاربها
-كمارأيت- قدسبقونيإلىمثلهذاالبحثعلىشتىآرائهموميولهموأهدافهم،بيدأنيمحاولقدرطاقتيأنأقفموقفالمنصف،وألاأتأثربميوليالنفسية،وآخذالأراءالتييستحسنهاعقلي،فإنأصبتفحمدالله،وإنأخطأتفحسبيأنيقاصدالحق،
﴿إِنْأُرِيْدُإِلَّاالْإِصْلَاحَمَااسْتَطَعْتُوَمَاتَوْفِيْقِيْإِلَّابِاللَّهِعَلَيْهِتَوَكَلْتُوَإِلَيْهِأُنِيْبُ﴾([58]).
ثبتالمصادروالمراجع
·
ابننبي:مالك،إنتاجالمستشرقينوأثرهفيالفكرالإسلاميالحديث،بيروت:
دارالإرشاد،دت.
·
أبوخليل:شوقي،الإسقاطفيمناهجالمستشرقينوالمبشرين،بيروت:
دارالفكرالمعاصر،ط2، 1998م.
·
إدريس:محمدجلاء،الاستشراقالإسرائيليفيالدراساتالعبريةالمعاصرة،القاهرة:
مكتبةالآداب، 2003م.
·
أمين:أحمد،يومالإسلام،القاهرة:
دارالشروق، 2009م.
·
حسين:طه،فيالأدبالجاهلي،القاهرة:
لجنةالتأليفوالترجمةوالنشر،ط3، 1933م.
·
الديب:عبدالعظيم،المستشرقونوالتراث،المنصورة:
دارالوفاءللطباعةوالنشروالتوزيع،ط2، 1992م.
·
الزيات:أحمدحسن،تاريخالأدبالعربي،أبوظبي:
مكتبةالصفاء، 2008م.
·
الزيّادي:محمدفتحالله،الاستشراقأهدافهووسائله،دمشق:
مؤسسةالمعاصرةومستقبلالثقافة،ط3، 2011م.
·
السباعي:مصطفى،الاستشراقوالمستشرقونمالهموماعليهم،القاهرة:
دارالسلام، 1998م.
·
سعيد:إدوارد،الاستشراق:
المعرفة-السلطة-الانشاء،ترجمةكمالأبوديب،بيروت: مؤسسةالأبحاثالعربية،ط2، 1984م.
·
صبرة:عفاف،المستشرقونومشكلاتالحضارة،القاهرة:
دارالنهضةالعربية، 1985م.
·
العراقي:عاطف،العقلوالتنوير،القاهرة:
دارقباءللطباعةوالنشروالتوزيع، 1998م.
·
العربية:مجمعاللغة،المعجمالوسيط،القاهرة:
مكتبةالشروقالدولية،ط5، 2010م.
·
العقيقي:نجيب،المستشرقون،القاهرة:
دارالمعارف،ط5، 2006م.
·
الغزالي:محمد،دفاععنالعقيدةوالشريعةضدمطاعنالمستشرقين،الجيزة:
نهضةمصرللطباعةوالنشروالتوزيع،ط9، 2007م.
·
فوزي:فاروقعمر،الاستشراقوالتاريخالإسلامي،عمان:
الأهليةللنشروالتوزيع، 1998م.
·
الميداني: عبدالرحمنحسنجبنكة،أجنحةالمكرالثلاثةوخوافيها:
التبشير-الاستشراق-الاستعمار،دمشق: دارالقلم،ط10، 2010م.
·
النملة: عليبنإبراهيم،مصادرالمعلوماتعنالاستشراقوالمستشرقين،الرياض:
مكتبةالملكفهدالوطنية، 1993م.
([2])علي بن إبراهيم النملة، مصادر المعلومات عن
الاستشراق والمستشرقين، (الرياض : مكتبة الملك فهد الوطنية، 1414هـ - 1993م)،
ص18.
([21])أذكر
بعضا منهم: الدكتور مصطفى السباعي في «الاستشراق والمستشرقون مالهم وما عليهم»،
والأستاذ نجيب العقيقي في «المستشرقون»،
والدكتور محمد إبراهيم الفيومي في «الاستشراق في ميزان الفكر الإسلامي»،
والأستاذ إدوارد سعيد في «الاستشراق»، والدكتورة عفاف صبرة في «المستشرقون ومشكلات
الحضارة»، والدكتور محمد جلاء إدريس في «الاستشراق الإسرائيلي في الدراسات
العبرية المعاصرة»، والأستاذ عبد الرحمن جبنكة الميداني في «أجنحة المكر الثلاثة»،
والدكتور محمد الزيادي في «الاستشراق أهدافه ووسائله»،والدكتورفاروقفوزيفي«الاستشراقوالتاريخالإسلامي» وغيرهم من الباحثين، فليرجع القارئ إلى تلك الكتب القيمة إذا أراد
شيئا من المزيد.
No comments:
Post a Comment