بسم الله الرحمن الحيم
خطبة الجمعة و مكانتها في الإسلام
بقلم : محي الدين صالح الدين
التمهيد
الحمد لله رب العالمين ، شعاع من رضاه يطفئ غضب ملوك أهل الأرض ، و لمحة من غضبه تزهق الروح و
لو انغمست في نعيم الدنيا. و قطرة من فيض جوده تملأ الأرض ريا . و الصلاة والسلام
على سيدنا محمد- صلى الله عليه و سلم- و على أله و صحابته أجمعين ، أما بعد.
قال الله تعالى : " و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون [1] . تعاليم الإسلام ليست كائنا متحركا بذاته حتى تصل إلى الناس ، و لكنها مفهوم معنوي يطبقه مخلوق مكلف ، بعد أن يدركه و يحيط به [2] . و يترتب على ذلك ضرورة وجود الداعي القادر على شرح الإسلام إلى المجتمع أجمع بأحسن الصورة و أجملها . فهو - لإنجاح هذه المهمة الفاضلة - محتاج إلى وسائل الدعوة . و من الوسائل أكثر نجاحة و استخداما منذ البعثة إلى عصرنا الحاضر خطبة الجمعة .
فإن خطبة الجمعة ذات تأثير نفسي و توجيه إجتماعي أصيل ، و ذلك لما لها من منزلة كبيرة و مكانة عظيمة في الإسلام. و لها تأثير قوي للنفس ، حيث إنها تهتز أوتار القلوب ، و تملك مفاتح العقول.
لذا ، في هذه الصفحة
القليلة سأبحث عن " خطبة الجمعة و مكانتها في الإسلام " سائلا الله
تعالى التوفيق و السداد.
مكانة خطبة الجمعة في الإسلام
إن خطبة الجمعة من
أهم وسائل الدعوة إلى الله تعالى . في صدر الإسلام وجدنا أن لها دورها البارز ،
فكيف لا ، فقد انتحز النبي – صلى الله عليه و سلم – هذه الفرصة المباركة لتبليغ
الدعوة و تثبيت إيمان المؤمنين . فكانت الخطبة خير وسيلة لنشر الدعوة الإسلامية.
لهذا السبب ازدهرت الخطبة في صدر الإسلام . و المسلمون الذين يأتون بعد ذلك الزمن
المبارك يدركون تمام الإدرك على أهميتها . لذا ، نجد في العصر الأموي أن الخطبة
تقدمت تقدما هائلا ، حتى أينع الثمر و تم النضج و زادت الغلة خصوصا بعد أن رتب
معاوية – رضي الله عنه – و من خلفه أناسا يعظون الناس في المساجد ، بعد أن كان
الوعظ الديني مقصورا على الأئمة [3].
كذلك إزدهرت الخطابة في العصر العباسي الأول ، فكان الخلفاء يشاركون العلماء في هذا المجال ، و يجمعون بين الولاية و الصلاة ، و كان الوعظ الديني في العصر العباسي الأول ، هدفا يرمي إليه الخطباء ، و مقصدا يقصدونه [4] . و في العصر الحديث كانت الخطبة تعتبر أبرز وسيلة و أقوى طريقة في ميدان التبليغ ، لما تحدثها من تأثير قوي ، و لما تحققه من نتائج طيبة مذهلة بين أفراد الجتمع المسلم .
و أهم مزايا خطبة
الجمعة كوسيلة للدعوة أنها تأخذ صورة دينية واجبة ، الأمر الذي يشير الى أهمية
إعدادها ، و تنسيقها و يحتم على الداعي أن يستعد لإلقائها بعناية و اهتمام ، و
تلزم الجمهور للحضور.قال تعالى : يأيها الذين أمنو إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا
إلى ذكر الله و ذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " [5] . و عن طارق بن شهاب – رضي الله عنه – عن النبي –
صلى الله عليه و سلم – قال : " الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا
أربعة : عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض " و لا تصح صلاة الجمعة بدون
خطبتها ، لأنها ركن يجب فعلها .
و في خطبة الجمعة فرصة ذهبية للخطيب ، لا بد من استغلالها . لأن المستمعين يُمنعون عن الكلام أثناء الخطبة. كما روي البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه و ابن خزيمة بسندهم أن الرسول – صلى الله عليه و سلم – قال : " إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة و الإمام يخطب أنصت فقد لغوت ". بل إن الرسول – صلى الله عليه و سلم – شبه من يتكلم و الإمام يخطب بالحمار الذي يحمل أسفارا فروي أحمد و البزار و الطبراني أن الرسول – صلى الله عليه و سلم – قال : " من تكلم يوم الجمعة و الإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا "
و وسيلة الخطابة في العالم الإسلامي من أهم وسائل الدعوة في العصر الحديث لارتباتها بصلاة الجمعة ، حيث يحرص المسلمين على سماعها . بجانب أن صلاة الجمعة نفسها لها فضائل كثيرة . و هي معتمر أسبوعي يلتقي المسلمون بعضهم ببعض ، فقراؤهم و أغنياؤهم ، صغارهم و كبارهم ، و هم يقفون في المسجد سواسية .
كما تتميز خطبة الجمعة بأنها وسيلة مباشرة تجعل الداعي و المدعوين خلالها اتصال مباشر [6] ،و اليوم حينما تلم بالناس الملمات ، و تكثر الفتن و الإنحرافات ، فلا يجد الناس ملاذا إلا خطباء المساجد و أئمتهم يجتمعون بهم ، و يهرعون إليهم و يلجأون . فلا مانع للمجتع السؤال أو طلب العلاج لمشاكلهم الحياتية . فتصبح الخطبة دواءا تعطي ثمارها للمجتمع ، و أحيت الأموات و القلوب المتمردة ، و دافعتهم إلى السعي و الإستقامة في طاعة الله .
لذا نحتاج في خطبة الجمعة إلى الخطيب الواعي لمشكلة المجتمع و أحوالهم ، و يحلها بالكلام اللين الجميل و المنطق القويم ، و عرضها على المستمعين عرضا حسنا تُستمال به القلوب ، و تتقنع به العقول ، و لن يكون ذلك إلا إذا وجد صاحب اللسان القادر على الإقناع بالحجة و الموعظة الحسنة [7].
و تؤكد خطبة الجمعة أهميتها أمام المجتع ، كل المجتمع ، الذين يواجهون التحديات العائقة منها وجود الأمية ، و كثرة الأعمال ، و ضيق الوقت و هي دوافع رئيسة إلى ضرورة خطبة الجمعة ، لأنها تخاطب الأمي على قدر طاقته ، تقرب له البعيد ، و تذلل أمامه الصعب ، و توجز الزمن لمن لا يجده من أصحاب الأعمال ، و تركز المعاني الكثيرة في كلمات قليلة ، و تقدمها لمن تزحمه مشاغل الحياة .
الخاتمة
إن الإيمن بلا عمل كشجرة بلا ثمر ، أو
بتعبير أخر كجسد بلا روح ، لا حياة فيه و لا حراك ، لا يتأثر سلبا و لا إيجابا ، و
إنما ملقى على الأرض و هو عرضة للأفات و الأعطاب ، ثم سرعان ما يتحلل و يذوب ، و
يصبح أثرا بعد عين .
إن ثمرة الإيمان العمل الصالح ، و خير العمل ما كان فيه إسعاد للبشرية ، و لا سعادة للبشرية إلا في منهج الله و تحت ظلاله الوافرة .
و مشكلة المجتع كثيرة. و هي بمثابة المزرع للداعية الأريب. و من المعروف أن خطبة الجمعة فرضت لتكون مجالا متكررا كل الأسبوع ليحلل الخطيب مشاكل المجتمع الذي يعيش فيه ، ثم يقدم لها الحلول ، التي تناسبها المستمعين ، و هذا تشريع عظيم إن دل على شيء فإنما يدل على اهتمام الإسلام بالدعوة و العلم و الثقافة و المعرفة .
و تتضح مما سبق أن الخطبة الجمعة لها مكانة سامية رافعة في الإسلام ، كما تدل على أهمية الخطباء ، و هم حملة هذا الدين . و أسأل الله تعالى أن يجعلنا خطباءًا مخلصين
المراجع
1) القرأن الكريم
2) أضواء على الخطابة الإسلامية : إعداد لجنة من قسم الدعوة و الثقافة الإسلامية
بكلية أصول الدين ، القاهرة ، دون سنة
3) الدعوة الإسلامية : أصولها – و سائلها – أساليبها في القرأن الكريم ، أ د أحمد
أحمد غلوش ، مؤسسة الرسالة : 2005 م
[1] أل
عمران : 104
[2] الدعوة الإلامية : أصولها – و سائلها – و
أساليبها في القرأن صـ 354
[3] أضواء على الخطابة الإسلامية ص 6
[4] المصدر السابق ص 6
[5] الجمعة : 9
[6] الده
وة الإسلامية ص 429
[7] أضواء على الخطابة الإسلامية ص28
No comments:
Post a Comment