حب المصطفي صلي الله عليه وسلم
بين الإدعاء و الحقيقة
بقلم :فخرالواصل غالب
تمهيد
كلما نتكلم عن هذه الشخصية العظيمة ملأ القلوب حبا وازداد شوقا إلي لقائه صلي الله عليه . كيف لا وهو أفضل البشر و أجل الناس و أزكي العالمين . فيكفيه مدح الله تعالى له وتزكيته بقوله:"وإنك لعلى خلق عظيم". وهو أحب الخلق إلى الله تعالى, صاحب الشفاعة يوم الدين فحبه من علامة صدق إيمان أي إنسان, عبرذلك المصطفي نفسه قائلا لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناسأجمعين"[1] فحبه عبادة عظيمة نعبد بها الله و قربة نتقرب إليه عز وجل من خلالها
و قد سجل التاريخ حب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين الذي ليس له نظير, وهو الحب الصادق الفياض إلي هذا النبي الكريم . وذلك لأنه قد وصلهم بالله ودلهم علي رضوانه وهداهم إلي صراط مستقيم. فهم أسوة حسنة و قدوة مباركة في هذه المحبة . أنظرإلي حب زيد بن الدثنة حين حبس وقيل له : أنشدك الله يا زيد ،أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟ قال : والله ما أحبأن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وأني جالس في أهلي[2]
أما اليوم, بعدما جرح الغرب مشاعرنا بالفيلم المسيئ للحبيب و الرسوم الكاريكاتورية لإهانة رسولنا صلي الله عليه وسلم نري نيران الغضب من أوجه المسلمين و مظاهرات ضد هذه الإساءة في كل أنحاء العالم الإسلامي. ومما لا شك فيه أن هذه المظاهرات والدفاع دليلا قاطعا علي أن حبنا إليه صلي الله عليه وسلم لم ينطفئ و ما زال مشتعلا في أفئدتنا . حتي لو سألت أي أحد من أبناء هذه الأمة هل تحب الرسول صليالله عليه وسلم ؟ فلا يتردد في الإجابةوقال نعم بالطبع, بل قد يغضب علينا لو قلناله إنك لا تحب المصطفي صلي الله عليه وسلم.
ولكن السؤال ما هي حقيقة محبة المصطفي ؟ هل مجرد المظاهرات أمام السفارة الغربية ونترك الإقتداء و العمل بسنته؟ نعم كلنا ندعي بأننا نحبه ولكن ما دليل ذلك الحب في حياتنا ؟ أ ليس البينة علي من ادعي؟؟؟
فمن خلال هذه المقالة ما أراد الكاتب إلا لنسأل أنفسناصدق حبنا لرسول الله صلي الله عليه وسلم و لنفهم كلنا علي أن الحب ليس مجردالحرف -الحاء –و-الباء- فحسب وإنما صدق الحب سيتجلي في كل أعمالنا اليومية حتي ولو لم يعبر من خلال فم علي أنه يحبه صلي الله عليه وسلم.
نتقرب إلي حقيقة الحب
الحب صغيرة المبني عظيمة المعني .قال ابن منظور في لسان العرب الحب نقيض البغض و الحب : الوداد و المحبة [3]
أما اصطلاحا فقد اختلف في تعريفه حسب شعور المعرف.فالكلمات لايمكنها أن تعبر عن الحب ولا أن تفصح عن حقيقته لأن الحب لا يعرفها إلا من أذاقها,قال سيمون دي برافور : الحب تجربة حية لا يعانيها إلا من يعيشها[4]..يقول الإمام القشيري رحمه الله: "لا توصف المحبة بوصف ولا تحد بحد أوضح ولاأقرب إلى الفهم من المحبة، والاستقصاء في المقال عند حصول الأشكال فإذا زاد الاستعجام والاستبهام سقطت الحاجة إلى الاستغراق في شرح الكلام[5]لكن علي كل حال لو نتقرب إليه فنري الحب هو ميل القلب إلي شيئ و عاطفة يقذفهاالله في قلب من يشاء من عباده
كيف نحب المصطفي
في رواية قال عمر يا رسول اللّه، واللّه لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال صلى اللّه عليه وسلم: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال: يا رسول اللّه واللّه لأنت أحب إليَّ من كل شيء حتى من نفسي، فقال صلى اللّه عليه وسلم: الآن يا عمر.هذا الحديث أرشدنا أن نجعل حبنا للمصطفي تحت حب الله وفوق كل حب أخر. وللأسف الشديد فإن بعض المسلمين اليوم يفهمون أن محبة النبي تكفي بعبارات جميلة مدحا له و احتفال مولده. مع أن أمامه أمور لا بد من تحقيقها لو كان حبه صادقا. منها:
1- طاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر
محب النبي صلي الله عليه وسلم سوف يلتزم بقوله تعالي وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا {الحشر 7}.فيطيع الرسول في جميع الأوامر دون استثناء لأن طاعته صلي الله عليه وسلم هو طاعة لله عز وجل :من يُطعِ الرَّسولَ فقد أطاعَ الله ومن تَولَّى فما أرسلناكَ علَيهِم حفيظاً {النساء 80} . أما من يدعي بلا طاعة فإنه ليس محب علي الإطلاق. # لو كان حبك صادقا لأطعته# إن المحب لمن أحب مطيع
2- سار علي سنته و أحيا بها في حياته
قل تعالي: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم { أل عمران 31 } فالاقتداء به صلىالله عليه وسلم من أكبر العلامات على حبه و أيضا أليس قد أمرنا الحبيب بالتمسك بهذه السنة الطاهرة بقوله: فعليكم بسنتي ،وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ . فمن يحبه فلا يجد أي حرج ومشقة في إتباع و اقتداء بسنته كقول الشاعر وكل ما فعله المحبوب محبوب . فمن ادعي بحبه لكن كسل في إحياء سنته فعليه علامة الإستفهام بعد ادعائه . أ ذلك الحب ؟؟؟؟
3- جعل المصطفي قدوة و أسوة حسنة
قال تعالي : لقد كان لكم في رسول الله أسوةحسنة {الأحزاب 21} . النبي بالنسبة محبه قريب من القلوب و حبيب إلي النفوس فجعلوه مثاليا في صدقه وصبره وفي شجاعته وتواضعه وفي زهده و رحمه وفي عيشه كله. لأنهم فهموا أن الذي أدب المصطفي هو رب العالمين فأحسن تأديبه , فهو أحسن الناس خلقاوأسدهم قولا وخير هم دينا و عملا. لكن مما نري في عصرنا الحاضر شباب المسلمين أحب لهم ان يجعل فنانا و مغنيا قدوة وتركوا خير أسوةعلي الإطلاق. مع أنهم أقسموا بالله علي حب المصطفي صلي الله عليه وسلم . فهذا طبعا مجرد ادعاء وليس بحب
4- كثرة الصلاة والسلام عليه
حقا أن من في قلبه حب حقيقي للحبيب فلا يمل فؤاده ولا يسئم لسانه في كثرة الصلاة و السلام عليه لأن من علامة صدق المحبوب كثرةذكره. فعملوا برشد حبيبه: من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات[6]لكن كثيرا منا ذكر الحبيب عنده فلم يصل عليه صلي الله عليه وسلم . ألا نستحي من قوله تعالي : إن الله و ملائكته يصلون علي النبي يأيها الذين أمنوا صلوا عليهوسلموا تسليما {الأحزاب 56}. وقول النبي : البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي..
سمعت إسمه , فلم تصلي عليه. فما هذا إلا ادعاء
5- محب لآل بيته وصحابته
فحب أهل بيته و أصحابه من واجب الواجبات لمن ادعي بحبه لأنهم الذين نقلو إلينا هذا الدين الحنيف و هم أنصار رسول الله وناشردعوته. من خلالهم نتعلم حبا حقيقيا تطبيقيا للمصطفي صلي الله عليه وسلم. فمحبه لايشتم ولا يسب أحدا منهم. وقد حذرنا الحبيب قائلا : الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لاتتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه[7]
تأمل لما وسئل علي بن أبي طالب كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟فقال : كان والله أحب إلينا من أموالنا واولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ .فمحبه يتبعهم لأنهم متصلون إلي الرسول صلي الله عليه وسلم. فمن بعد عن الإطلاع و القرأة علي سيرتهم فبعد عن حبهم, فمن بعد عن حبهم بعد عن حب المصطفي صلي الله عليه وسلم
وهكذا... بل أكثر مما كتبها الكاتب من خلال هذه المقالة ,,فلنقيس أنفسنا بحسب قربنا وبعدنا بهذه علامات صدق حب الحبيب .. فنجد من نحن, أ محب حقيقي أم مدعي بلا بينة ؟؟؟؟؟
خاتمة
إن الحبيب صلي الله عليه وسلم لبشر لكن الموحي إليه وهو الإنسان لكن النبي وهو الرجل لكن الرسول فلذلك حبنا إليه لابدأن يكون أكثر و أكبر من حبنا لأي أحد سواء كان لأبائنا وأبنائنا و إخواننا كما علمنا تعالي :قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارةتخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتىيأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين { التوبة 11} وكما قلنا أن حبه ليسقولا بلا اتباع و ليس ادعاءا دون إقتداء وإنما هناك حقائق منتظرة وأعمال علينا أن نزين بها أنفسنا ليدل علي صدقحبنا إليه صلي الله عليه وسلم.
من يدّعي حب النبي ولم يفد *** من هديه فسفاهةوهرا
فالحب أول شرطه وفروضه*** إن كان صدقا طاعة ووفاء
.فنرجو الله تعالي بحبنا إلي المصطفي أن يجمعنا معه في الفردوس الأعلي كمابشرنا الحبيب: (المرء مع من أحب)
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب المصطفي وحب كل عمل يقربنا إلى حبك اللهم إنا نسالك البر والتقوى ومن العمل ماترضى. وصلي الله علي الحبيب المصطفي والحمد لله رب العالمين.
الله أعلم بالصواب
No comments:
Post a Comment