Saturday, September 6, 2014

الإسلام دين العلم والحضارة
بقلم محي الدين صالح الدين

تمهيد

يذهب بعض الدارسين الغربيين إلى أن الإسلام دين التخلف ، ضد العلوم والمعرفة ، وأنه منحصر في المساجد فقط ، ولا يهتم بالتقدم الحضاري والثقافي . أما الغرب فهم المجتمع العلمي والمدني ، ويسعون إلى تقدم ، ويعتقدون أن التقدم الذي هم بصدده فما هو إلا ثمرة جهدهم ، لا علاقة له بأي حضارة أخرى .


هذه التهمة باطلة لا أساس لها ، بل التاريخ سجل خلاف هذه . فقط وصل المسلمون إلى التقدم المادي والروحي ، وصنعوا الحضارة العريقة العجيبة التي شهد لها كل عالم منصف في العالم ، وأنهم رفعوا لواء الفكر العلمي . وحضارتهم هي أطول الحضارات الإنسانية عمرا ، و أعظمها أثرا في المدنية الحديثية ، بل أسهموا في بناء الحضارة الغربية الحديثة ، حيث كانت بلاد المسلمين قبلة يقصد إليها طلاب المعرفة من العالم الأوروبي ليقتبسوا أفكار المسلمين .

الإسلام دين العلم ، والقرآن مصدر ودستور هذا الدين . ولوطلعنا وبحثنا كلمة العلم ومشتقاته في القرآن فقط ، فضلا عن الحديث النبوي ، لوجدنا أنها بلغت " سبعمائة وثمانين مرة " [1] , وجعل مقام طلب العلم في صف المجاهدين لإعلاء كلمة الله من ناحية المنزلة والأجر ، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع "، ويعتبر الرسول الطريق الذي يسلكه طالب العلم طريقا مؤديا إلى الجنة ، فيقول صلى الله عليه وسلم :" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة "، ولم يفرق القرآن بين علم الدنيا وعلم الدين ، بل أوصى بهما جميعا . وقد إهتم المسلمون بهما .

ستركز هذه المقالة في تقدم المسلمين من ناحية العلوم الدنيوية المختلفة ردا على تهمة الغربيين ، واعتزازا وفخرا لنا بتراثنا الماضي ، حتى نستيقظ من نومنا الطويل العميق ، ونبني حضارة عريقة كما كان المسلمون الأولون .

تراث الحضارة الإسلامية وإنجازاتها
يذهب بعض الدارسين إلى أن أول انفتاح المسلمين الجاد في مجال العلوم الدنيوية ظهر في العصر العباسي[2] ؛ وقد بدأوا بنقل وترجمة تراث الحضارات السالفة ، وشجع الأمراء العلماء بإقامة البحوث العلمية والتأليف والإبتكار ، حيث أقيمت من أجل ذلك الدواوين وبيوت الحكمة والمدارس[3] حتى اثمرت الحضارة الإسلامية ، ونضجت وملأت مسمع العالم المعمور آنذاك . وهذه بعض الأمثلة تبرز للقارئ على مدى تقدم المسلمون في العلوم المختلفة :

1-    الرياضيات

في علم الحساب نقل المسلمون الأرقام الهندية التسعة والصفر ، واستخدموها في العمليات الحسابية ؛ وهذا النقل في حد ذاته يعد من أكبر الفتوح العلمية التي أسهمت في بناء صرح الحضارة الحديثية ، كما أنشؤوا عقد بديع محكم التركيب هو "علم الجبر والمقابلة" ، وبعد ذلك استخدموا الرموز الجبرية ، وتولت بحوثهم واكتشافاتهم حتى تواصلوا إلى نظرية ذات الحدين قبل نيتون وقوانين المتواليات . ومن العلماء المسلمين في الرياضيات الخوارزمي والبتاني وابن يونس والبيروني.

2-    في مجال الطب
يقول المستشرق سيريو :"إن الرازي وابن سينا سيطرا بكتبهما الطبية على مدارس الغرب زمنا طويلا ، و عرف ابن سينا في أوروبا طبيبا ، فكان له على مدارسها سلطان مطلق ستة قرون تقريبا ، فترجم كتابه "القانون في الطب" المشتمل على خمسة أجزاء فطبع عدة مرات ، باعتباره أساسا للدراسات في جامعات فرنسا و إيطاليا...".  ومن العلماء المسلمين في الطب : بنو زهر وابن النفيس .

3-    في الصيدلية وعلم الأدوية
من العلماء في هذا الفن إبن البيطر ، ألف "المغني في الأدوية المفردة"  و "الجامع المفردات الأدوية والأغذ ية" و "كتاب المغرب" ، وهذا الأخر ضم فيه 2330 فصلا من الأطعمة والأدوية النبتية ، وقد إخترع فيه واكتشف ( 300 ) وصف لأدوية كانت مجهولة قبل ذالك ، حتى عرف في أوروبا بأنه ( أبو علم النبات )[4].

4-     علم الفيزياء
طورالعلماء المسلمون هذا العلم تطويرا كبيرا ، وأسسوا فيه فروعا متخصصة أهمها "علم المناظر" المعروف الآن بــ "علم الضوء أو أوبتيك" الذي برع فيه الحسن إبن الهيثم[5].
5-    علم الكيمياء
طور المسلمون هذا الفن أيضا ، يقول عنه ( جوس تاف لوبون : " ..... لولا ما وصل إليه العرب من نتائج واكتشافات ما تحقق لــلا فوازيية ما تحقق له من نصر في كشف عناصر الماء والهواء[6].
من العلماء المسلمين الذين أتقنوا في هذا الفن : جابر ابن حيان ( 200 هـ | 815  م ) ، وخلف تصانيف كثيرة ، قيل بلغت خمس مائة كتاب[7] .

6-    المسلمون أول من إستعمل المنهج التجريبي في علمهم
ولم تكن هذه طريقة الأقدمين ولا يهتمون بذلك ، ولم يقتنعوا إلا بالتجربة العلمية في أبسط الأشياء ؛ فعندما شرع السلطان "عضد الدولة" في بناء المستشفى الجديد ، كلف الطبيب المشهور أبا بكر الرازي اختيار أنسب مكان وأصحه، فاستدعى الرازي بعض غلمانه ، وأعطاهم قطعا من اللحم ، وأمرهم بتعليقها في أماكن متفرقة من نواحي بغداد ، ثم مر بعد وقت قطع اللحم المعلقة ، واختار المكان الذي لم تتغير فيه قطع اللحم بسرعة ، ولم يعترها التلف . فبنى المستشفى بهذه التجربة البسيطة . يقول عنه غوس تاف لوبون : "إن أول من قام بالتجربة والرصد في الغرب هو بيكون ولكنه يجب أن يعترف اليوم بأن ذلك كله من عمل العرب وحدهم"[8] .

7-    التاريخ
عني المسلمون بالتاريخ عناية كبيرة ؛ ولقد قام بعض مستشرقي الألمان بإحصاء المؤرخين المسلمين في ألف سنة الأولى من الهجرة ، فبلغوا تسعين وخمسمائة مؤرخ عدا من فاته منهم[9] .
ومن كبار المؤرخين أبو الفداء الملقب عماد الدين الأيوبي ( 732 هـ ) وابن خلدون ( 808 هـ ), وابن عرب شاه (1450 م) ، والصفدي ( 1323 م ) وابن خلكان ( 626 هـ ) وابن سعد  ( 230 هـ ) والطبري .

8-    جغرافيا
من العلماء في هذا الفن : الإدريسي ( 560 هـ ) وكتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" ، مترجم إلى معظم لغات أوروبا الحديثة ، وهو الذي صنع كرة فضية ضخمة تمثل الكرة الأرضية ، ولا تزال محفوظة في متاحف برلين حتى اليوم .

وقد أتقن المسلمون في العلوم المختلفة كالفلك ، والجراحة ، وعلم النبات ، وعلم الحيوان ، وعلم النفس ، وغير ذلك مما لا يمكنني الذكر والبيان في هذه المقالة المتواضعة ، وتوضيح ما اكتشف المسلمون خوفا من الإطالة .

خاتمة
لقد انتقلت أوروبا من الأزمة العلمية والحضارية إلى الحضارة المدنية بعد أن أشرقت الآداب المحمدية على تلك البلاد من سماء الأندلس ؛ وتبع إشراق تلك الآداب واشتغال الناس بها سطوع نور العلم الإسلامي من الجانب الشرقي ، وأن المسلمين قد صنعوا الحضارة العريقة من خلال تعمقهم واكتشافاتهم في العلوم المختلفة ، وأزالوا الظلام ونوروا هذه الدنيا ؛ قال جوس تاف افون جرينيباوون : "راح الغرب اللاتيني في زمن مبكر من العصور الوسطى يتقبل الفكرة القائلة بأن الحضارة تفيض من الشرق إلى الغرب"[10] .

المراجع
1-    تطور الفكر العلمي عند المسلمين ، للدكتور محمد الصادق عفيفي ، ط : مكتبة الاسرة 2010 .
2-    حضارة الإسلام ، لغوس تاف افون جرينيباوون ، مكتبة مصر .
3-    عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية في العلوم الطبيعة والطب ، لمحمد غريب جودة ط : 2 ، مكتبة الأسرة .
4-    الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي ، تقديم د . راغب السرجاني . ط : 1 ، 2005 ، مؤسسة اقرأ .    
    

     
  




[1] . أنظر " تطور الفكر العلمي عند المسلمين " ص : 13.
[2] . الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي ص : 394. ج : 2.
[3] . " تطور الفكر العلمي عند المسلمين " ص : 17.
[4] . الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي, ص: 397.
[5] . أنظر " عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية في علوم الطبيعة والطب" ص : 27.
[6] . نفس المصدر السابق, ص : 27.
[7] . المزيد من ترجمته أنظر " تطور الفكر العلمي عند المسلمين " ص : 172. أو ط عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية في العلوم الطبيعة والطب" ص : 61 – 69.
[8] . الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي, ص: 397.
[9] . " تطور الفكر العلمي عند المسلمين " ص : 327.
[10] . " حضارة الإسلام, ص : 87.

No comments:

Post a Comment