الإسلام دين العلم والحضارة
بقلم محي الدين صالح الدين
تمهيد
يذهب بعض الدارسين الغربيين إلى أن الإسلام دين التخلف ، ضد العلوم والمعرفة ، وأنه منحصر في المساجد فقط ، ولا يهتم بالتقدم
الحضاري والثقافي . أما الغرب فهم المجتمع العلمي والمدني ، ويسعون إلى تقدم ،
ويعتقدون أن التقدم الذي هم بصدده فما هو إلا ثمرة جهدهم ، لا علاقة له بأي حضارة
أخرى .
هذه التهمة باطلة لا أساس لها ، بل التاريخ سجل خلاف هذه . فقط وصل
المسلمون إلى التقدم المادي والروحي ، وصنعوا الحضارة العريقة العجيبة التي شهد
لها كل عالم منصف في العالم ، وأنهم رفعوا لواء الفكر العلمي . وحضارتهم هي أطول
الحضارات الإنسانية عمرا ، و أعظمها أثرا في المدنية الحديثية ، بل أسهموا في بناء
الحضارة الغربية الحديثة ، حيث كانت بلاد المسلمين قبلة يقصد إليها طلاب المعرفة
من العالم الأوروبي ليقتبسوا أفكار المسلمين .
الإسلام دين العلم ، والقرآن مصدر ودستور هذا الدين . ولوطلعنا وبحثنا
كلمة العلم ومشتقاته في القرآن فقط ، فضلا عن الحديث النبوي ، لوجدنا أنها بلغت
" سبعمائة وثمانين مرة " [1]
, وجعل مقام طلب العلم في صف المجاهدين لإعلاء كلمة الله من ناحية المنزلة والأجر ،
حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله
حتى يرجع "، ويعتبر الرسول الطريق الذي يسلكه طالب العلم طريقا مؤديا إلى
الجنة ، فيقول صلى الله عليه وسلم :" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله
له طريقا إلى الجنة "، ولم يفرق القرآن بين علم الدنيا وعلم الدين ، بل أوصى
بهما جميعا . وقد إهتم المسلمون بهما .
ستركز هذه المقالة في تقدم المسلمين من ناحية العلوم الدنيوية
المختلفة ردا على تهمة الغربيين ، واعتزازا وفخرا لنا بتراثنا الماضي ، حتى نستيقظ
من نومنا الطويل العميق ، ونبني حضارة عريقة كما كان المسلمون الأولون .
تراث الحضارة الإسلامية وإنجازاتها
يذهب بعض الدارسين إلى أن أول انفتاح المسلمين الجاد في مجال العلوم
الدنيوية ظهر في العصر العباسي[2]
؛ وقد بدأوا بنقل وترجمة تراث الحضارات السالفة ، وشجع الأمراء العلماء بإقامة
البحوث العلمية والتأليف والإبتكار ، حيث أقيمت من أجل ذلك الدواوين وبيوت الحكمة
والمدارس[3]
حتى اثمرت الحضارة الإسلامية ، ونضجت وملأت مسمع العالم المعمور آنذاك . وهذه بعض
الأمثلة تبرز للقارئ على مدى تقدم المسلمون في العلوم المختلفة :
1-
الرياضيات
في علم الحساب نقل المسلمون الأرقام الهندية التسعة والصفر ،
واستخدموها في العمليات الحسابية ؛ وهذا النقل في حد ذاته يعد من أكبر الفتوح
العلمية التي أسهمت في بناء صرح الحضارة الحديثية ، كما أنشؤوا عقد بديع محكم التركيب
هو "علم الجبر والمقابلة" ، وبعد ذلك استخدموا الرموز الجبرية ، وتولت
بحوثهم واكتشافاتهم حتى تواصلوا إلى نظرية ذات الحدين قبل نيتون وقوانين
المتواليات . ومن العلماء المسلمين في الرياضيات الخوارزمي والبتاني وابن يونس
والبيروني.
2-
في مجال الطب
يقول المستشرق سيريو :"إن الرازي وابن سينا سيطرا بكتبهما الطبية
على مدارس الغرب زمنا طويلا ، و عرف ابن سينا في أوروبا طبيبا ، فكان له على
مدارسها سلطان مطلق ستة قرون تقريبا ، فترجم كتابه "القانون في الطب"
المشتمل على خمسة أجزاء فطبع عدة مرات ، باعتباره أساسا للدراسات في جامعات فرنسا
و إيطاليا...". ومن العلماء المسلمين
في الطب : بنو زهر وابن النفيس .
3-
في الصيدلية وعلم الأدوية
من العلماء في هذا الفن إبن البيطر ، ألف "المغني في الأدوية
المفردة" و "الجامع المفردات
الأدوية والأغذ ية" و "كتاب المغرب" ، وهذا الأخر ضم فيه 2330 فصلا
من الأطعمة والأدوية النبتية ، وقد إخترع فيه واكتشف ( 300 ) وصف لأدوية كانت
مجهولة قبل ذالك ، حتى عرف في أوروبا بأنه ( أبو علم النبات )[4].
4-
علم الفيزياء
طورالعلماء المسلمون هذا العلم تطويرا كبيرا ، وأسسوا فيه فروعا
متخصصة أهمها "علم المناظر" المعروف الآن بــ "علم الضوء أو أوبتيك"
الذي برع فيه الحسن إبن الهيثم[5].
5-
علم الكيمياء
طور المسلمون هذا الفن أيضا ، يقول عنه ( جوس تاف لوبون : "
..... لولا ما وصل إليه العرب من نتائج واكتشافات ما تحقق لــلا فوازيية ما تحقق
له من نصر في كشف عناصر الماء والهواء[6].
من العلماء المسلمين الذين أتقنوا في هذا الفن : جابر ابن حيان ( 200
هـ | 815 م ) ، وخلف تصانيف كثيرة ، قيل
بلغت خمس مائة كتاب[7]
.
6-
المسلمون أول من إستعمل المنهج التجريبي في علمهم
ولم تكن هذه طريقة الأقدمين ولا يهتمون بذلك ، ولم يقتنعوا إلا
بالتجربة العلمية في أبسط الأشياء ؛ فعندما شرع السلطان "عضد الدولة" في
بناء المستشفى الجديد ، كلف الطبيب المشهور أبا بكر الرازي اختيار أنسب مكان وأصحه،
فاستدعى الرازي بعض غلمانه ، وأعطاهم قطعا من اللحم ، وأمرهم بتعليقها في أماكن
متفرقة من نواحي بغداد ، ثم مر بعد وقت قطع اللحم المعلقة ، واختار المكان الذي لم
تتغير فيه قطع اللحم بسرعة ، ولم يعترها التلف . فبنى المستشفى بهذه التجربة
البسيطة . يقول عنه غوس تاف لوبون : "إن أول من قام بالتجربة والرصد في الغرب
هو بيكون ولكنه يجب أن يعترف اليوم بأن ذلك كله من عمل العرب وحدهم"[8]
.
7-
التاريخ
عني المسلمون بالتاريخ عناية كبيرة ؛ ولقد قام بعض مستشرقي الألمان
بإحصاء المؤرخين المسلمين في ألف سنة الأولى من الهجرة ، فبلغوا تسعين وخمسمائة
مؤرخ عدا من فاته منهم[9]
.
ومن كبار المؤرخين أبو الفداء الملقب عماد الدين الأيوبي ( 732 هـ )
وابن خلدون ( 808 هـ ), وابن عرب شاه (1450 م) ، والصفدي ( 1323 م ) وابن خلكان (
626 هـ ) وابن سعد ( 230 هـ ) والطبري .
8-
جغرافيا
من العلماء في هذا الفن : الإدريسي ( 560 هـ ) وكتابه "نزهة المشتاق
في اختراق الآفاق" ، مترجم إلى معظم لغات أوروبا الحديثة ، وهو الذي صنع كرة
فضية ضخمة تمثل الكرة الأرضية ، ولا تزال محفوظة في متاحف برلين حتى اليوم .
وقد أتقن المسلمون في العلوم المختلفة كالفلك ، والجراحة ، وعلم
النبات ، وعلم الحيوان ، وعلم النفس ، وغير ذلك مما لا يمكنني الذكر والبيان في
هذه المقالة المتواضعة ، وتوضيح ما اكتشف المسلمون خوفا من الإطالة .
خاتمة
لقد انتقلت أوروبا من الأزمة العلمية والحضارية إلى الحضارة المدنية
بعد أن أشرقت الآداب المحمدية على تلك البلاد من سماء الأندلس ؛ وتبع إشراق تلك
الآداب واشتغال الناس بها سطوع نور العلم الإسلامي من الجانب الشرقي ، وأن
المسلمين قد صنعوا الحضارة العريقة من خلال تعمقهم واكتشافاتهم في العلوم المختلفة
، وأزالوا الظلام ونوروا هذه الدنيا ؛ قال جوس تاف افون جرينيباوون : "راح
الغرب اللاتيني في زمن مبكر من العصور الوسطى يتقبل الفكرة القائلة بأن الحضارة
تفيض من الشرق إلى الغرب"[10]
.
المراجع
1-
تطور الفكر العلمي عند المسلمين ، للدكتور محمد الصادق عفيفي ، ط :
مكتبة الاسرة 2010 .
2-
حضارة الإسلام ، لغوس تاف افون جرينيباوون ، مكتبة مصر .
3-
عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية في العلوم الطبيعة والطب ، لمحمد
غريب جودة ط : 2 ، مكتبة الأسرة .
4-
الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي ، تقديم د . راغب السرجاني . ط :
1 ، 2005 ، مؤسسة اقرأ .
[1] . أنظر " تطور الفكر
العلمي عند المسلمين " ص : 13.
[2] . الموسوعة الميسرة في
التاريخ الإسلامي ص : 394. ج : 2.
[3] . " تطور الفكر العلمي
عند المسلمين " ص : 17.
[4] . الموسوعة الميسرة في
التاريخ الإسلامي, ص: 397.
[5] . أنظر " عباقرة علماء
الحضارة العربية والإسلامية في علوم الطبيعة والطب" ص : 27.
[6] . نفس المصدر السابق, ص : 27.
[7] . المزيد من ترجمته أنظر
" تطور الفكر العلمي عند المسلمين " ص : 172. أو ط عباقرة علماء الحضارة
العربية والإسلامية في العلوم الطبيعة والطب" ص : 61 – 69.
[8] . الموسوعة الميسرة في
التاريخ الإسلامي, ص: 397.
[9] . " تطور الفكر العلمي
عند المسلمين " ص : 327.
[10] . " حضارة الإسلام, ص :
87.
No comments:
Post a Comment