Saturday, October 26, 2013

القدر والتقدير فى القران



القدر والتقدير فى القران
بقلم أ.د. محمد قريش شهاب
(ترجم هذه المقالة الطالب أحمد مشفع محمد طه )


عندما تولى معاوية بن أبى سفيان الخلافة بعد الخليفة الرابعة علي بن أبي طالب أرسل الرسالة إلى بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وهو سأله عن الدعاء الذى دعا به النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة المكتوبة فقال :"لا اله إلاالله وحده لاشريك له اللهم لامانع لما أعطيت ولامعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد."[1] ثم أشهر هذا الدعاء ليعلّم الناس بأن الله هو الذي قدّر كل شيء والعبد ليس له كسب، فيرى كثير من العلماء أن وراء هذا الإشهار غرضا سياسيا، وذلك لأن الخلفاء من الدولة الأموية يبرّرون قيام دولتهم بقدَر من الله، كما كتبه الإمام الأكبر عبد الحليم محمود فى التفكير الفلسفي فى الإسلام.[2]

لايقبل كثير من العلماء هذا الرأى-يعنى أن الله هو الذى قدّر كل شيء والعبد ليس له كسب- فمنهم من أفرطوا فى رده حتى قالوا بأن لا قدر. فالإنسان حر، ويفعل كيف يشاء، أليس الله قد خيّر للإنسان؟ ولولا هذا الاختيار فلماذا يعذّب الإنسان؟ أليس الله تعالى يقول : "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر."[3] وكل الناس مسئول عن رعيته. ولكن هذا الاعتراض غير مسلّم به, بأن هذا لا يليق بعظمة الله وملكه، أليس الله علي كل شيء قدير؟ أليس الله تعالى يقول :"والله خلقكم وماتعملون."[4] أليست هذه الآية تدل على أن الله خلق ما تعملون؟ وقال تعالى أيضا :"وما تشاءون إلا أن يشاء الله".[5]

هذه هى المناقشة التى تجري فى ألسنة المتكلمين ولا نهاية لها. وكلهم يستدلون بالآيات القرانية ثم يدعّمهم الملك من أجل إرساء سلطانهم وكذلك تأخر المسلمين فى كل مجالات الحياة. فاتسع مفهوم التقدير بالمفهوم الثانى أو الشبيه به. ولكن اذا نظرنا إلى تاريخ الإسلام نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يتسألوا عن التقدير كما فعله بعض المتكلمين، بل هم يؤمنون بأن قدر الله تعالى يحيط بكل الخلق حتى الإنسان، لكن إيمانهم بالقدر لا يمنعهم عن العبادة والكسب والجهاد فى سبيل الله، حتى اذا غلبوا فى قتالهم فلا يخطر ببالهم ان يسيئوا الظن بالله تعالى. وما كانت هذه الحال إلا لأنهم لايفهمون القران فهما جزئيا، بل يفهمونه فهما دقيقا وفمها شاملا كما علّمهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

التقدير فى لغة القران
          
كلمة التقدير مصدر من قدّر التي تؤخذ من قدر، ومعنى قدر الشيء قدرا : بيّن مقداره,[6] فإذا قيل قدر الله الشيء قدرا فمعناه أن الله بين مقدارالشيء فى ذاته وصفاته ووسعه.
         
من الآيات الكثيرة التي وردت فى القرآن نستطيع أن نفهم بأن الله قد قدّر الأشياء وجعل لكل شيء قدرا، فلايستطيع الخلق أن يجاوز هذا المقدار ويفعل فوق قدره، والله الذى يهديه الى سواء السبيل. هذه المفهومات تؤخذ من الآيات التا لية :
"سبح اسم ربك الأعلى. الذى خلق فسوى. والذى قدر فهدى."[7]
ولذا قال تعالى فى آية أخرى :"والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم."[8] وكذلك القمر"والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم."[9]
 بل قد قدر الله  تعالى كل الأشياء "وخلق كل شيء فقدره تقديرا."[10] "وإن من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم."[11] حتى خلقه الضعيف، الله قد قدره تقديرا كما يذكر فى الآية التالية من سورة العلق :
"والذى أخرج المرعى. فجعله غثاء أحوى."[12]
قدر الله تعالى كل ذلك بأحكامه التى تجري فى العالم، فإذا أردنا أن يكون المرعى ينمو خضراء فعلينا أن نسقيه صباحا ومساء مثلا, وإذا تركناه ونمى بنفسه جعله الله غثاء أحوى كما فى الآية، هذا هو تقدير الله تعالى الذى يحيط بكل شيء من خلقه. وخلاصة القول : "قد جعل الله لكل شيء قدرا."[13]

الحوادث التى حدثت فى العالم، من حيث خلقه على قدر ما، وفى وقت وموضع ما،  هى التى تسمّى بالتقدير. فلاشيء إلا عليه التقدير. وهذه الحوادث تجري فى علم الله وقدره، وهى التي تسمّى بسنة الله عند بعض العلماء, وزعم الضالّون بانها العوامل الطبيعية.

ورأى الكاتب أن سنة الله وتقديره أمران مختلفان، لأن سنة الله كما ورد فى القرآن هى أحكام الله التي تجري فى المجتمع فقط، والتقدير يشمل أحكام المجتمع وأحكام العالم. وكلمة "سنة الله" وردت فى القران ثماني مرات، وكلمة "سنتنا" وردت مرة، و"سنة الأولين" وردت ثلاث مرات، وكلها تشير إلى أحكام الله تعالى التي تجري فى المجتمع.[14] أما الشمس والقمر وغيرهما من سائر العالم فقد قدّر الله تعالى تقديرا ولا مفرّ لها، "ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين."[15]هكذا صوّر لنا سورة فصلت التقدير للعالم ولا مفر لها منه.

هل هذه الأحكام تجري أيضا للإنسان؟ يبدو أن الامر يختلف.


تقدير الإنسان

جعل الله للإنسان قدرا لايستطيع أن يجاوز حده، مثلا لايستطيع الإنسان أن يطير، وهذا هو القدر الذي جعل الله للإنسان، وهو لايستطيع أن يجاوز هذا الحد إلا اذا كان يسعتمل عقله ليصنع ألة يستطيع أن يطير بها، ولكن هذا العقل أيضا له حد لا يستطيع أن يجاوزه، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى الإنسان يعيش تحت أحكام الله، وكل ما يفعله الإنسان لامفر له من هذه الأحكام التى لها قدر مقدور وحد محدود. ولكن لكون هذه الأحكام كثيرة متنوعة يستطيع الإنسان أن يختار واحدا دون آخربخلاف الشمس والقمر وغير هما من سائر العالم، مثلا خلق الله النار حارة ومحرقة، والرياح مبردة، فهذا هو تقدير الله تعالى يستطيع الإنسان أن يختار النار المحرقة او الرياح المبردة، وهنا أهمية العلم والإلهام والهداية الالهية, لذا دعا الرسول صلى الله عليه وسلم :"اللهم لاتكلنى إلى نفسى طرفة عين."

حينما أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يزور إلى الشام وكان فيه الطاعون فأبطل زيارته، وقال له رجل :"أتفرّ من قدر الله؟ فقال عمر :"أفرّ من قدر الله الى قدر الله." وكذا أيضا حينما استند على بن أبى طالب رضي الله عنه إلى جدار يريد أن ينقض فقام وانتقل إلى موضع آخر فسأله بعض الناس الذي حوله عن انتقاله، فأجاب كما أجاب به عمر رضي الله عنه.

كل من خراب الجدار وانتشار الطاعون وغير ذلك أمر قد قدر الله له تقديرا، فاذا أراد الإنسان أن لايفر منه أصابه ما أصاب، وإذا أراد أن يفر منه فله ما أراد. فكل ما أصابه وما أراده ذلك تقدير العزيز الحكيم. أليس الله تعالى جعل للإنسان قوة يستطيع أن يختار بها بين الخير والشر؟

إذا كان الأمر كذلك فلا يستطيع الإنسان أن يفرّ من تقدير الله تعالى، سواء كان هذا التقدير خيرا أو شرّا، وليس من الحكمة أن يقال إن الشر فحسب هو التقدير دون الخير، لأن هذالشأن ينفي قدسية الله تعالى ويتعارض مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم"... وتؤمن بالقدر خيره وشره." إذاً, اتضح الأمر أن التقدير لا يمنع الإنسان عن الاختيار فى تحديد مستقبله مستعينا بالله تعالى.



[1]رواه البخاري عن وارد مولى المغيرة بن شعبة
[2]التفكير الفلسفى فى الإسلام ص. 203
[3]سورة الكهف : 29
[4]سورة الصفات : 96
[5]سورة الإنسان : 30
[6]المعجم الوسيط ص. 744
[7]سورة الأعلى : 1-3
[8]سورة يس : 38
[9]سورة يس : 39
[10]سورة الفرقان : 2
[11]سورة الحجر : 21
[12]سورة الأعلى : 4-5
[13]سورة الطلاق : 3
[14] اقرأ سورة الأحزاب : 38 وفاطر : 35و45 وغافر : 40 و85 وغيرها.
[15]سورة فصلت : 11





1 comment:

  1. صلوا على المصطفى - صلى الله عليه و سلم -

    ReplyDelete