Friday, October 25, 2013

ما غاب عن المسلمين اليوم (2)



ما غاب عن المسلمين اليوم (2)
بقلم: موليادي أحمد

ربما بعض الناس لا يرضون بالسؤال الذي طرحه الأمير شكيب أرسلان في كتابه (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟) باعتبار أنه إساءة أو سخرية للمسلمين اليوم. وأنا أقول، مهلا أيها الإخوة كم من الدواء المرّ يشفي الداء اللدود وأنت تتجرع الدواء المر من أجل صحتك وحياتك. إذن ليس كل ما يمجّه الآذان قبل اللسان يسيئ إليك، بل هناك نصيحة لمصلحتك، والدين النصيحة.

وأنا أحيانا أستغرب لمن لم يعترف بأن المسلمين اليوم في حالة التخلف. ومن واجبي أنا أن آتي بالبيّنة طبقا للقاعدة الفقهية: البيّنة للمدّعي واليمين على من أنكر. والدليل لما أقول، هو أمر بسيط ألا وهو النظافة. والنظافة من الإيمان كما هو معروف. ونجد أن المسلمين اليوم –إلا من رحمه الله- لا يهتمون بهذا الأمر. أنظروا إلى الزبالة المبعثرة في شوارع المسلمين، بل من الأسف الشديد بعض السفهاء من الناس يقضون حوائجهم في الطرقات والشوارع العامة والجدران مما يؤذي المارّين ويتأذوا بها. مع أننا لو قرأنا كتب الفقه نجد أن العلماء بدءوا كتبهم بباب الطهارة للإشارة إلى أن الدين الإسلامي هو الدين الطاهر الذي يهتم بناظفة الأبدان والجنان وهو أساس النظافة. وفيه يقال: "ويجتنب البول والغائط في الماء الراكد وتحت الشجرة المثمرة وفي الطريق والظل والثقب". وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم". هذا هو الإسلام وهذا هو الدين، ولكن أين المسلمون من هذا؟.   

 أنظر إلى نعال المسلمين وأحذيتهم وقت الصلاة في أكثر المساجد، كيف وضعوها أمامهم مبعثرة كالفراش المبثوث، ووسخوا بذلك المسجد. لما لا يضعون في أماكنها؟ ولما لا يوجد مكان للنعل؟ ولما لا يوضع عند أمانة المسجد؟ وهل ضاعت الأمانة؟ إذا ضاعت الأمانة فانتظر الساعة؟ وماذا فعل هؤلاء القائمون بعمارة المسجد؟ وهل بهذا الشأن وقفوا بين يدي ربهم؟ بل الغريب بن العجيب بعض السفهاء يجعلون المساجد فرصة لسرقة متاع إخوانهم المسلمين. إلى هذا الحد يا جماعة؟ أين حرمة المسجد؟ وأين التضامن الإسلامي؟ فهل مثل المسلمين كالجسد الواحد في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. ولماذا المسلم لا يأمن من أخيه المسلم. أوليس أن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه , والمؤمن من أمن جاره بوائقه؟ هذا هو الإسلام الحقيقي، وهذا ما غاب عن المسلمين اليوم.

إذا كان المسلمون لا يستطيعون أن يحلّوا هذه المشكلة البسيطة، فما بالك بالأمر العظيم مثل نظام المرور والإقتصاد وسياسة الدولة و قضايا الأمة والإجتماعية والثقافية والدفاعية، ناهيك عن العلوم والتكنولوجيا.

وليس يصح في الأذهان شيئ... #... إذا احتاج النهار إلى دليل

وفي مجال العلوم الإسلامية نجد أن المسلمين مهزوم في عكر دارهم وأن غيرهم من المستشرقين ترعرع وتمكن من العلوم التي برع فيها المسلمون ويؤثر في مجالهم المعرفي إما سلبا وإما إيجابا. فمثلا في مجال الأدب العربي نجد كارل بروكلمان صاحب تاريخ الأدب العربي، وفي مجال علم الحديث نجد أن المستشرقون أبلوا بلاء حسنا في وضع الفهارس للأحاديث النبوية (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) للمستشرق الهولندي فنسنك وآخرين. وفي مجال التفسير وعلوم القرآن نجد جول لابوم المستشرق الفرنسي صاحب تفصيل أيات القرآن الحكيم، وإجناس جولدتسيهر صاحب مذاهب التفسير الإسلامي، بل أستطيع أن أقول أن المستشرقين دخلوا في كل مجالات العلوم الإسلامية من علم الكلام والتصوف والتاريخ والحضارة والشريعة وغيرها. ومن أوضح دليل على ذلك مؤلفة المستشرقين (دائرة المعارف الإسلامية ( بالإنجليزية: Encyclopedia of Islam) ) موسوعة أكاديمية تعنى بكل ما يتّصل بالحضارة الإسلامية، سواء من الناحية الدينية أو الثقافية أو العلمية أو الأدبية أو السياسية أو الجغرافية على امتداد العصور، بما في ذلك العصر السابق للإسلام. وقد تم إصدارها على طبعتين، الأولى بين 1913 و 1938، والثانية ما بين 1954 و 2005، ويتم إصدارها من قبل شركة بريل الهولندية.

ساهم في كتابة هذه الموسوعة عدد كبير من المستشرقين والمؤرخين وخبراء الدراسات الإسلامية في الغرب. من أهمهم:

1.     لويس ماسينيون (1883-1962 ) أكبر مستشرقي فرنسا المتأخرين.
2.     جوزيف شخت (1902-1970) مستشرق هولندي من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق.
3.     هنري لامنس اليسوعي (1862-1937) مستشرق بلجيكي المولد فرنسي الجنسية، من علماء الرهبان اليسوعيين.
4.     رينولد ألين نيكلس Reynold Nicholson (1868 - 1945) من أكبر مستشرقي إنجلترا المتأخرين. تخصص في التصوف الإسلامي والفلسفة.
5.     دافيد صموئيل مرجليوث (1858-1940 ) من كبار المستشرقين، من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق.
6.     دانكن بلاك ماكدونلد (- (1943 مستشرق أميركي.
7.     إجناس جولد تسيهر (1850-1921) مستشرق مجري موسوعي، عرف بعدائه للإسلام وبخطورة كتاباته عنه.
8.     أ.ج. أربري. مستشرق إنجليزي معروف بالتعصب ضد الإسلام والمسلمين، عمل استاذاً بجامعة كمبردج.
9.     كارل بروكلمان (1868-1956 ) مستشرق ألماني يعتبر أحد أبرز المستشرقين في العصر الحديث. عالم بتاريخ الأدب العربي.
10.                        كريستيان سنوك هرجروينيه (1857-1936 ) مستشرق هولندي ولد في استرهوت وتعلم بليدن وإستراسبورج.
11.                        جودفروا ديمومبين (1862-1957) مستشرق فرنسي كان استاذ العربية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس.
12.                        توماس ووكر آرنولد (1864-1930 ) مستشرق إنجليزي من أهل لندن.
13.                        رينيه باسيه (1855-1924) مستشرق فرنسي من أعضاء المجمع العلمي العربي.
14.                        إيفارست ليفي بروفنسال (1894-1955 ) مستعرب فرنسي الأصل كثير الاشتغال بتصحيح المخطوطات العربية ونشرها، ولد وتعلم في الجزائر.
15.                        كارل فلهلم سترستين (1866-1953 ) مستشرق سويدي من العلماء وأحد أعضاء جمعيات علمية كثيرة، منها المجتمع العلمي العربي.
16.                        جورجيوليفي دلافيدا ( 1886-1967) من كبار المستشرقين الإيطاليين مولده ووفاته بروما وكان استاذ العربية واللغات السامية المقارنة في جامعتها.
17.                        كارل فلّرس (1857-1909 ) مستشرق ألماني تولّى إدارة المكتبة الخديوية (دار الكتب المصرية) مدة من الزمن.
18.                        فرانتس بوهل ( 1850-1932 ) مستشرق دنماركي من أعضاء المجمع العلمي العربي.
19.                        جاكب بارت (1851-1914) مستشرق ألماني كان يدرّس العربية في الكلية الاكليركية في جامعة برلين.
20.                        ج. ه‍. كريمرز، مستشرق هولندي.
21.                        أدوين كالفرلي، مستشرق أميركي، رئيس تحرير مجلة "العالم الإسلامي" الأمريكية فترة من الزمن .
22.                        پاول كراوس ( 1904-1944 ) مستشرق ألماني من أصل تشيكوسلوفاكي تعلم في جامعة برانج، وتلقّى العلوم الشرقية بجامعة برلين.

إذن أيها المسلمون، فماذا بقي فيكم اليوم إن لم تنهضوا وتنشطوا في البحث والدراسة والدفاع عن شخصيتكم الدينية والفكرية والثقافية؟.

ومن أغرب موقف المسلمين اليوم في المجال العلمي، أنه لما اكتشف غير المسلمين شيأ جديدا من نتائج البحث، راحوا يقولون: أوليس هذا موجودا في كتب تراث أبائنا؟ أوليس أن هذا موجود في السنة؟ أوليس أن القرآن قد تحدث عنه منذ خمسة عشر قرنا من الزمن؟ هذا ما يقولون. نعم... هذا موجود في كتب آبائكم، وهذا موجود في السنة، وهذا مكتوب في القرآن، ولكن لماذا هؤلاء سبقوكم في العلم والمعرفة؟ ولماذا قراءتكم للتراث قراءة جامدة مجردة دون المحاولة إلى البحث والتجديد وربطها بالواقع؟ ولماذا لا تعملون التجربة الواقعية مثل هؤلاء؟ فهل تكتفون بإنجازات أبائكم وتفتخرون بهم كما تفاخر الفرزدق عندما يهجو جريرا:

 أولئك آبائي فجئني بمثلهم ...#... إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ

تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم  ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون.

          الإعتراف بشيئ لا يعني أنه عيب أو ضعف، كم من اعتراف يؤدي إلى الصلاح والإصلاح. إنظر إلى أبينا آدم عليه السلام لما اعترف بعصيانه: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. فتاب الله عليه. وكيف اعترف الإمام الشافعي سوء حفظه وشكى إلى شيخه الإمام وكيع بن الجراح:

          شكوت إلى وكيع سوء حفظي...#...فأرشدني إلى ترك المعاصي

          وأخبرني بأن العلم نور...#...ونور الله لا يهدى لعاصي

والإعتراف بأن حال المسلمين اليوم متأخرا لا يعني أنهم ضعفاء، بل نجعل من هذه النقطة بداية الإنطلاق إلى الصلاح والإصلاح، ولا بد للمسلمين وشبابهم من الغيور لهذه الأمة والوعي الكامل بالمشاكل التي تواجهها، لأنك إن لم تكن جزءا من الحلّ فأنت جزء من المشكلة. إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

 

No comments:

Post a Comment